البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٤٨
كانت من العذر، فمعنى وَلَوْ أَلْقى
: أي نطق بمعاذيره وقالها. وقيل : ولو رمى بأعذاره واستسلم. وقال السدي : ولو أدلى بحجة وعذر. وقيل : ولو أحال بعضهم على بعض، كقوله تعالى : لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ «١» والعذرة والعذرى : المعذرة، قال الشاعر :
ها إن ذي عذرة إن لا تكن نفعت وقال فيها : ولا عذر لمجحود. لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
الظاهر والمنصوص الصحيح في سبب النزول أنه خطاب للرسول صلّى اللّه عليه وسلم على ما سنذكر إن شاء اللّه تعالى. وقال القفال : هو خطاب للإنسان المذكور في قوله : يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ
«٢»، وذلك حال تنبئه بقبائح أفعاله، يعرض عليه كتابه فيقال له : اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. فإذا أخذ في القراءة تلجلج من شدّة الخوف وسرعة القراءة، فقيل له : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
، فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك. فَإِذا قَرَأْناهُ
عليك، فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
بأنك فعلت تلك الأفعال. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ : أي بيان أمره وشرح عقوبته. وحاصل قول هذا القول أنه تعالى يقرر الكافر على جميع أفعاله على التفصيل، وفيه أشد الوعيد في الدنيا والتهويل في الآخرة.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس : أنه عليه الصلاة والسلام كان يعالج من التنزيل شدّة، وكان بما يحرك شفتيه مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه لحينه، فنزلت.
وقال الضحاك : السبب أنه كان عليه الصلاة والسلام كان يخاف أن ينسى القرآن، فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشق، فنزلت.
وقال الشعبي : كان لحرصه عليه الصلاة والسلام على أداء الرسالة والاجتهاد في عبادة اللّه ربما أراد النطق ببعض ما أوحي إليه قبل كمال إيراد الوحي، فأمر أن لا يعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه، وجاءت هذه الآية في هذا المعنى. والضمير في به للقرآن دل عليه مساق الآية. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
: أي في صدرك، وَقُرْآنَهُ
: أي قراءتك إياه، والقرآن مصدر كالقراءة، قال الشاعر :
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
وقيل : وقرآنه : وتأليفه في صدرك، فهو مصدر من قرأت : أي جمعت، ومنه قولهم للمرأة التي لم تلد : ما قرأت سلاقط، وقال الشاعر :
ذراعي بكرة أدماء بكر هجان اللون لم تقرأ جنينا
(٢) سورة القيامة : ٧٥/ ١٣.