البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٧٠
إِنَّ هذِهِ : أي السورة، أو آيات القرآن، أو جملة الشريعة ليس على جهة التخيير، بل على جهة التحذير من اتخاذ غير سبيل اللّه. وقال الزمخشري : لمن شاء ممن اختار الخير لنفسه والعاقبة، واتخاذ السبيل إلى اللّه عبارة عن التقرب إليه والتوسل بالطاعة.
وَما تَشاؤُنَ : الطاعة، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، يقسرهم عليها. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بأحوالهم وما يكون منهم، حَكِيماً حيث خلقهم مع علمه بهم. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال. وقرأ العربيان وابن كثير : وما يشاءون بياء الغيبة وباقي السبعة : بتاء الخطاب ومذهب أهل السنة أنه نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في أنفسهم، ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما محل أَنْ يَشاءَ اللَّهُ؟
قلت : النصب على الظرف، وأصله : إلا وقت مشيئة اللّه، وكذلك قرأ ابن مسعود : إلا ما يشاء اللّه، لأن ما مع الفعل كان معه. انتهى. ونصوا على أنه لا يقوم مقام الظرف إلا المصدر المصرح به، كقولك : أجيئك صياح الديك، ولا يجيزون : أجيئك أن يصيح الديك، ولا ما يصيح الديك فعلى هذا لا يجوز ما قاله الزمخشري.
يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ : وهم المؤمنون. وقرأ الجمهور : وَالظَّالِمِينَ نصبا بإضمار فعل يفسره قوله : أَعَدَّ لَهُمْ، وتقديره : ويعذب الظالمين، وهو من باب الاشتغال، جملة عطف فعلية على جملة فعلية. وقرأ ابن الزبير وأبان بن عثمان وابن أبي عبلة : والظالمون، عطف جملة اسمية على فعلية، وهو جائز حسن. وقرأ عبد اللّه :
وللظالمين بلام الجر، وهو متعلق بأعد لهم توكيدا، ولا يجوز أن يكون من باب الاشتغال، ويقدر فعل يفسره الفعل الذي بعده، فيكون التقدير : وأعد للظالمين أعدّ لهم، وهذا مذهب الجمهور، وفيه خلاف ضعيف مذكور في النحو، فتقول : بزيد مررت به، ويكون التقدير : مررت بزيد مررت به، ويكون من باب الاشتغال. والمحفوظ المعروف عن العرب نصب الاسم وتفسير مررت المتأخر، وما أشبهه من جهة المعنى فعلا ماضيا.


الصفحة التالية
Icon