البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٧٣
تُوعَدُونَ لَواقِعٌ
. ولما كان المقسم به موصوفات قد حذفت وأقيمت صفاتها مقامها، وقع الخلاف في تعيين تلك الموصوفات. فقال ابن مسعود وأبو هريرة وأبو صالح ومقاتل والفرّاء : وَالْمُرْسَلاتِ : الملائكة، أرسلت بالعرف ضد النكر وهو الوحي، فبالتعاقب على العباد طرفي النهار. وقال ابن عباس وجماعة : الأنبياء، ومعنى عرفا : إفضالا من اللّه تعالى على عباده، ومنه قول الشاعر :
لا يذهب العرف بين اللّه والناس وانتصابه على أنه مفعول له، أي أرسلن للإحسان والمعروف، أو متتابعة تشبيها بعرف الفرس في تتابع شعره وأعراف الخيل وتقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه متتابعين، وهم عليه كعرف الضبع إذا تألبوا عليه، وانتصابه على الحال.
وقال ابن مسعود أيضا وابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة : الرّياح. وقال الحسن : السحاب.
وقرأ الجمهور : عُرْفاً بسكون الراء، وعيسى : بضمها.
فَالْعاصِفاتِ، قال ابن مسعود : الشديدات الهبوب. وقيل : الملائكة تعصف بأرواح الكفار، أي تزعجها بشدّة، أو تعصف في مضيها كما تعصف الرّياح تحققا في امتثال أمره. وقيل : هي الآيات المهلكة، كالزلازل والصواعق والخسوف.
وَالنَّاشِراتِ، قال السدّي وأبو صالح ومقاتل : الملائكة تنشر صحف العباد بالأعمال.
وقال الربيع : الملائكة تنشر الناس من قبورهم. وقال ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة :
الرّياح تنشر رحمة اللّه ومطره. وقال أبو صالح : الأمطار تحيي الأرض بالنبات. وقال الضحاك : الصحف تنشر على اللّه تعالى بأعمال العباد، فعلى هذا تكون الناشرات على معنى النسب، أي ذات النشر. فَالْفارِقاتِ، قال ابن عباس وابن مسعود وأبو صالح ومجاهد والضحاك : الملائكة تفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام. وقال قتادة والحسن وابن كيسان : آيات القرآن فرقت بين الحلال والحرام. وقال مجاهد أيضا : الرّياح تفرق بين السحاب فتبدّده. وقيل : الرسل، حكاه الزجاج. وقيل : السحاب الماطر تشبيها بالناقة الفاروق، وهي الحامل التي تجزع حين تضع. وقيل : العقول تفرق بين الحق والباطل، والصحيح والفاسد. فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً، قال ابن عباس وقتادة والجمهور :
الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقال قطرب :
الرسل تلقي ما أنزل عليها إلى الأمم. وقال الرّبيع : آيات القرآن ألقيت على النبي صلّى اللّه عليه وسلم.