البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٨٥
السحاب ينعصر فيخرج منه الماء. وقيل : السحاب التي فيها الماء ولم تمطر. وقال ابن كيسان : سميت بذلك من حيث تغيث، فهي من العصرة، ومنه قوله : وَفِيهِ يَعْصِرُونَ «١». والعاصر : المغيث، فهو ثلاثي وجاء هنا من أعصر : أي دخلت في حين العصر، فحان لها أن تعصر، وأفعل للدخول في الشيء. وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة : الرياح لأنها تعصر السحاب، جعل الإنزال منها لما كانت سببا فيه. وقرأ ابن الزبير وابن عباس والفضل بن عباس أخوه وعبد اللّه بن يزيد وعكرمة وقتادة : بالمعصرات، بالباء بدل من. قال ابن عطية : فهذا يقوي أنه أراد الرياح. وقال الزمخشري : فيه وجهان : أن يراد بالرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، وأن يراد السحاب، لأنه إذا كان الإنزال منها فهو بها، كما تقول : أعطى من يده درهما، وأعطى بيده درهما. ثَجَّاجاً : منصبا بكثرة، ومنه أفضل الحج العج والثج : أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي. وقرأ الأعرج :
ثجاحا بالحاء : آخرا، ومساجح الماء : مصابه، والماء ينثجح في الوادي. حَبًّا وَنَباتاً :
بدأ بالحب لأنه الذي يتقوت به، كالحنطة والشعير، وثنى بالنبات فشمل كل ما ينبت من شجر وحشيش ودخل فيه الحب. أَلْفافاً : ملتفة، قال الزمخشري : ولا واحد له، كالأوزاع والأخياف. وقيل : الواحد لف : قال صاحب الإقليد : أنشدني الحسن بن علي الطوسي :
جنة لف وعيش مغدق وندامى كلهم بيض زهر
ولو قيل : هو جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد لكان قولا وجيها. انتهى. ولا حاجة إلى هذا القول ولا إلى وجاهته، فقد ذكر في المفردات أن مفرده لف بكسر اللام، وأنه قول جمهور أهل اللغة. إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ : هو يوم القيامة يفصل فيه بين الحق والباطل، كانَ مِيقاتاً : أي في تقدير اللّه وحكمه تؤقت به الدنيا وتنتهي عنده أو حدا للخلائق ينتهون إليه.
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ : بدل من يوم الفصل. قال الزمخشري : أو عطف بيان، وتقدم الكلام في الصور. وقرأ أبو عياض : في الصور بفتح الواو جمع صورة، أي يرد اللّه الأرواح إلى الأبدان والجمهور : بسكون الواو. وفَتَأْتُونَ من القبور إلى الموقف أمما، كل أمة بإمامها. وقيل : جماعات مختلفة. وذكر الزمخشري حديثا في كيفيات قبيحة لعشرة أصناف يخلقون عليها، وسبب خلقه من خلق على تلك الكيفية اللّه أعلم بصحته. وقرأ الكوفيون :
وَفُتِحَتِ : خف والجمهور : بالتشديد، فَكانَتْ أَبْواباً تنشق حتى يكون فيها فتوح

(١) سورة يوسف : ١٢/ ٤٩.


الصفحة التالية
Icon