البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٩
وقرأ الجمهور : وَفَجَّرْنَا بتشديد الجيم وعبد اللّه وأصحابه وأبو حيوة والمفضل عن عاصم : بالتخفيف والمشهور أن العين لفظ مشترك. والظاهر أنها حقيقة في العين الباصرة، مجاز في غيرها، وهو في غير الماء مجاز مشهور، غالب وانتصب عيونا على التمييز، جعلت الأرض كلها كأنها عيون تتفجر، وهو أبلغ من : وفجرنا عيون الأرض، ومن منع مجيء التمييز من المفعول أعربه حالا، ويكون حالا مقدرة، وأعربه بعضهم مفعولا ثانيا، كأنه ضمن وَفَجَّرْنَا : صيرنا بالتفجير، الْأَرْضَ عُيُوناً. وقيل : وفجرت أربعين يوما. وقرأ الجمهور : فَالْتَقَى الْماءُ، وهو اسم جنس، والمعنى : ماء السماء وماء الأرض.
وقرأ عليّ والحسن ومحمد بن كعب والجحدري : الماءان.
وقرأ الحسن أيضا :
الماوان. وقال الزمخشري : وقرأ الحسن ماوان، بقلب الهمزة واوا، كقولهم : علباوان.
انتهى. شبه الهمزة التي هي بدل من هاء في الماء بهمزة الإلحاق في علبا. وعن الحسن أيضا : المايان، بقلب الهمزة ياء، وفي كلتا القراءتين شذوذ. عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ : أي على حالة ورتبة قد فصلت في الأزل. وقيل : على مقادير قد رتبت وقت التقائه، فروى أن ماء الأرض كان على سبعة عشر ذراعا، ونزل ماء السماء على تكملة أربعين ذراعا. وقيل :
كان ماء الأرض أكثر. وقيل : كانا متساويين، نزل من السماء قدر ما خرج من الأرض.
وقيل : عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ : في اللوح أنه يكون، وهو هلاك قوم نوح عليه السلام بالطوفان، وهذا هو الراجح، لأن كل قصة ذكرت بعد هذه القصة ذكر اللّه هلاك مكذبي الرسل فيها، فيكون هذا كناية عن هلاك قوم نوح، ولذلك ذكر نجاة نوح بعدها في قوله :
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ. وقرأ أبو حيوة : قدر بشد الدال والجمهور بتخفيفها، وذات الألواح والدسر هي السفينة التي أنشأها نوح عليه السلام. ويفهم من هذين الوصفين أنها السفينة، فهي صفة تقوم مقام الموصوف وتنوب عنه، ونحوه : قميصي مسرودة من حديد، أي درع، وهذا من فصيح الكلام وبديعه. ولو جمعت بين الصفة والموصوف فيه، لم يكن بالفصيح والدسر المسامير، قاله الجمهور. وقال الحسن وابن عباس : مقاديم السفينة لأنها تدسر الماء، أي تدفعه، والدسر : الدفع. وقال مجاهد وغيره :
بطن السفينة. وعنه أيضا : عوارض السفينة. وعنه أيضا : أضلاع السفينة، تجري في ذلك الماء المتلقي بحفظ منا وكلاءة، بحيث نجا من كان فيها وغرق غيرهم.
وقال مقاتل بن سليمان : بِأَعْيُنِنا : بوحينا. وقيل : بأمرنا. وقيل : بأوليائنا. يقال :
فلان عين من عيون اللّه تعالى : أي ولي من أوليائه. وقيل : بأعين الماء التي أنبعناها.