البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٠٠
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها، إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها، إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها.
الخطاب الظاهر أنه عام، والمقصود الكفار منكر والبعث، وقفهم على قدرته تعالى.
أَشَدُّ خَلْقاً : أي أصعب إنشاء، أَمِ السَّماءُ، فالمسؤول عن هذا يجيب ولا بد السماء، لما يرى من ديمومة بقائها وعدم تأثيرها. ثم بين تعالى كيفية خلقها. رَفَعَ سَمْكَها : أي جعل مقدارها بها في العلوّ مديدا رفيعا مقدار خمسمائة عام، والسمك : الارتفاع الذي بين سطح السماء التي تليها وسطحها الأعلى الذي يلى ما فوقها، فَسَوَّاها : أي جعلها ملساء مستوية، ليس فيها مرتفع ولا منخفض، أو تممها وأتقن إنشاءها بحيث أنها محكمة الصنعة. وَأَغْطَشَ : أي أظلم، لَيْلَها. وَأَخْرَجَ : أبرز ضوء شمسها، كقوله تعالى : وَالشَّمْسِ وَضُحاها «١»، وقولهم : وقت الضحى : الوقت الذي تشرق فيه الشمس. وأضيف الليل والضحى إلى السماء، لأن الليل ظلها، والضحى هو نور سراجها.
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ : أي بعد خلق السماء وما فعل فيها، دَحاها : أي بسطها، فخلق الأرض ثم السماء ثم دحا الأرض. وقرأ الجمهور : وَالْأَرْضَ، وَالْجِبالَ بنصبهما والحسن وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال : برفعهما وعيسى : برفع الأرض. وأضيف الماء والمرعى إلى الأرض لأنهما يظهران منها.
والجمهور : مَتاعاً بالنصب، أي فعل ذلك تمتيعا لكم وابن أبي عبلة : بالرفع، أي ذلك متاع. وقال الزمخشري : فإن قلت : فهلا أدخل حرف العطف على أخرج؟ قلت : فيه وجهان، أحدهما : أن يكون معنى دَحاها : بسطها ومهدها للسكنى، ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكل والمشرب وإمكان القرار عليها. والثاني :
أن يكون أخرج حالا بإضمار قد، كقوله : أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ «٢». انتهى.
وإضمار قد قول للبصريين ومذهب الكوفيين. والأخفش : أن الماضي يقع حالا، ولا يحتاج إلى إضمار قد، وهو الصحيح. ففي كلام العرب وقع ذلك كثيرا. انتهى. وَمَرْعاها :
مفعل من الرعي، فيكون مكانا وزمانا ومصدرا، وهو هنا مصدر يراد به اسم المفعول، كأنه قيل : ومرعيها : أي النبات الذي يرعى. وقدم الماء على المرعى لأنه سبب في وجود المرعى، وشمل وَمَرْعاها ما يتقوت به الآدمي والحيوان غيره، فهو في حق الآدمي

(١) سورة الشمس : ٩١/ ١.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٩٠. [.....]


الصفحة التالية
Icon