البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٢
فصلت : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ «١». وقال في الحاقة : سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً «٢»، إلا أن يكون ابتداء الريح في يوم الأربعاء، فعبر بوقت الابتداء، وهو يوم الأربعاء، فيمكن الجمع بينها.
تَنْزِعُ النَّاسَ : يجوز أن يكون صفة للريح، وأن يكون حالا منها، لأنها وصفت فقربت من المعرفة. ويحتمل أن يكون تنزع مستأنفا، وجاء الظاهر مكان المضمر ليشمل ذكورهم وإناثهم، إذ لو عاد بضمير المذكورين، لتوهم أنه خاص بهم، أي تقلعهم من أماكنهم. قال مجاهد : يلقى الرجل على رأسه، فتفتت رأسه وعنقه وما يلي ذلك من بدنه.
وقيل : كانوا يصطفون آخذي بعضهم بأيدي بعض، ويدخلون في الشعاب، ويحفرون الحفر فيندسون فيها، فتنزعهم وتدق رقابهم. والجملة التشبيهية حال من الناس، وهي حال مقدرة. وقال الطبري : في الكلام حذف تقديره : فتتركهم. كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ :
فالكاف في موضع نصب بالمحذوف شبههم، بأعجاز النخل المنقعر، إذ تساقطوا على الأرض أمواتا وهم جثث عظام طوال. والأعجاز : الأصول بلا فروع قد انقلعت من مغارسها. وقيل : كانت الريح تقطع رؤوسهم، فتبقى أجسادا بلا رؤوس، فأشبهت أعجاز النخل التي انقلعت من مغرسها. وقرأ أبو نهيك : أعجز على وزن أفعل، نحو ضبع وأضبع. والنخل اسم جنس يذكر ويؤنث، وإنما ذكر هنا لمناسبة الفواصل، وأنث في قوله :
أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ «٣» في الحاقة لمناسبة الفواصل أيضا. وقرأ أبو السمال، فيما ذكر الهذلي في كتابه الكامل، وأبو عمر والداني : برفعهما. فأبشر : مبتدأ، وواحد صفته، والخبر نتبعه. ونقل ابن خالويه، وصاحب اللوامح، وابن عطية رفع أبشر ونصب واحدا عن أبي السمال. قال صاحب اللوامح : فأما رفع أبشر فبإضمار الخبر بتقدير : أبشر منا يبعث إلينا، أو يرسل، أو نحوهما؟ وأما انتصاب واحدا فعلى الحال، إما مما قبله بتقدير : أبشر كائن منا في الحال توحده، وإما مما بعده بمعنى : نتبعه في توحده، أو في انفراده. وقال ابن عطية : ورفعه إما على إضمار فعل مبني للمفعول، التقدير : أينبأ بشر؟ وإما على الابتداء، والخبر في قوله : نَتَّبِعُهُ، وواحدا على هذه القراءة حال إما من الضمير في نتبعه، وإما من المقدر مع منا، كأنه يقول : أبشر كائن منا واحدا؟ وفي هذا نظر. وقولهم ذلك حسد منهم واستبعاد أن يكون نوع البشر يفضل بعضه بعضا هذا الفضل، فقالوا :
(٢) سورة الحاقة : ٦٩/ ٧.
(٣) سورة الحاقة : ٦٩/ ٧.