البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٢٢
عن أئمتهم إنما قال : بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ دون سائر صفاته، ليلقن عبده الجواب حتى يقول :
غرني كونه الكريم. انتهى. وهو عادته في الطعن على أهل السنة. فَسَوَّاكَ : جعلك سويا في أعضائك، فَعَدَلَكَ : صيرك معتدلا متناسب الخلق من غير تفاوت. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وطلحة والأعمش وعيسى وأبو جعفر والكوفيون : بخف الدال وباقي السبعة : بشدها. وقراءة التخفيف إما أن تكون كقراءة التشديد، أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت، وإما أن يكون معناه فصرفك. يقال : عدله عن الطريق : أي عدلك عن خلقة غيرك إلى خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق، أو فعدلك إلى بعض الأشكال والهيئات. والظاهر أن قوله :
فِي أَيِّ صُورَةٍ يتعلق بربك، أي وضعك في صورة اقتضتها مشيئة من حسن وطول وذكورة، وشبه ببعض الأقارب أو مقابل ذلك. وما زائدة، وشاء في موضع الصفة لصورة، ولم يعطف رَكَّبَكَ بالفاء كالذي قبله، لأنه بيان لعدلك، وكون في أي صورة متعلقا بربك هو قول الجمهور. وقيل : يتعلق بمحذوف، أي ركبك حاصلا في بعض الصور. وقال بعض المتأولين : إنه يتعلق بقوله : فَعَدَلَكَ، أي : فعدلك في صورة، أي صورة وأي تقتضي التعجيب والتعظيم، فلم يجعلك في صورة خنزير أو حمار وعلى هذا تكون ما منصوبة بشاء، كأنه قال : أي تركيب حسن شاء ركبك، والتركيب : التأليف وجمع شيء إلى شيء. وأدغم حارجة عن نافع ركبك كلا، كأبي عمرو في إدغامه الكبير. وكلا :
ردع وزجر لما دل عليه ما قبله من اغترارهم باللّه تعالى، أو لما دل عليه ما بعد كلا من تكذيبهم بيوم الجزاء والدين أو شريعة الإسلام. وقرأ الجمهور : بَلْ تُكَذِّبُونَ بالتاء، خطابا للكفار والحسن وأبو جعفر وشيبة وأبو بشر : بياء الغيبة.
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ : استئناف إخبار، أي عليهم من يحفظ أعمالهم ويضبطها.
ويظهر أنها جملة حالية، والواو واو الحال، أي تكذبون بيوم الجزاء. والكاتبون : الحفظة يضبطون أعمالكم لأن تجازوا عليها، وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء.
وقرأ الجمهور : يَصْلَوْنَها، مضارع صلى مخففا وابن مقسم : مشدّدا مبنيا للمفعول.
يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ، فيكتبون ما تعلق به الجزاء. قال الحسن : يعلمون ما ظهر دون حديث النفس. وقال سفيان : إذا هم العبد بالحسنة أو السيئة، وجد الكاتبان ريحها. وقال الحسين بن الفضل : حيث قال يعلمون ولم يقل يكتبون دل على أنه لا يكتب الجميع فيخرج عنه السهو والخطأ وما لا تبعة فيه. وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ : أي عن الجحيم، أي