البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٤٥
نَقَمُوا بفتح القاف وزيد بن عليّ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بكسرها، أي ما عابوا ولا أنكروا الإيمان، كقوله : هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ «١»، وكقول قيس الرقيات :
ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون أن غضبوا
جعلوا ما هو في غاية الحسن قبيحا حتى نقموا عليه، كما قال الشاعر :
ولا عيب فيها غير شكلة عينها كذاك عتاق الطير شكلا عيونها
وفي المنتخب : إنما قال إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا، لأن التعذيب إنما كان واقعا على الإيمان في المستقبل، ولو كفروا في المستقبل لم يعذبوا على ما مضى، فكأنه قال : إلا أن يدعوا على إيمانهم. انتهى. وذكر الأوصاف التي يستحق بها تعالى أنيؤمن به، وهو كونه تعالى عزيزا غالبا قادرا يخشى عقابه، حميدا منعما يجب له الحمد على نعمته، له ملك السموات والأرض وكل من فيهما يحق عليه عبادته والخشوع له تقريرا لأن ما نقموا منهم هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغي.
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ : وعيد لهم، أي إنه علم ما فعلوا فهو يجازيهم.
والظاهر أن الَّذِينَ فَتَنُوا عام في كل من ابتلى المؤمنين والمؤمنات بتعذب أو أذى، وأن لهم عذابين : عذابا لكفرهم، وعذابا لفتنتهم. وقال الزمخشري : يجوز أن يريد بالذين فتنوا أصحاب الأخدود خاصة، وبالذين آمنوا المطروحين في الأخدود، ومعنى فتنوهم : عذبوهم بالنار وأحرقوهم، فَلَهُمْ في الآخرة عَذابُ جَهَنَّمَ بكفرهم، وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ : وهي نار أخرى عظيمة تتسع كما يتسع الحريق، أو لهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق في الدنيا لما روى أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم، انتهى.
وينبغي أن لا يجوز هذا الذي جوّزه، لأن في الآية ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا، وأولئك المحرقون لم ينقل لنا أن أحدا منهم تاب، بل الظاهر أنهم لم يلعنوا إلا وهم قد ماتوا على الكفر. وقال ابن عطية : ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا يقوي أن الآيات في قريش، لأن هذا اللفظ في قريش أحكم منه في أولئك الذين قد علموا أنهم ماتوا على كفرهم. وأما قريش فكان فيهم وقت نزول الآية من تاب وآمن، انتهى. وكذلك قوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، المراد به العموم لا المطروحون في النار، والبطش : الأخذ بقوة. يُبْدِئُ وَيُعِيدُ، قال ابن زيد والضحاك :
يبدىء الخلق بالإنشاء، ويعيده بالحشر. وقال ابن عباس : عام في جميع الأشياء، أي كلّ