البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٩
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ : أي بقدرة مع إرادة. انتهى. وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ : أي إلا كلمة واحدة وهي : كن كلمح بالبصر، تشبيه بأعجل ما يحس، وفي أشياء أمر اللّه تعالى أوحى من ذلك، والمعنى : أنه إذا أراد تكوين شيء لم يتأخر عن إرادته. وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ :
أي الفرق المتشايعة في مذهب ودين. وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ : أي فعلته الأمم المكذبة، محفوظ عليهم إلى يوم القيامة، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وابن زيد. ومعنى فِي الزُّبُرِ : في دواوين الحفظة. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ من الأعمال، ومن كل ما هو كائن، مُسْتَطَرٌ : أي مسطور في اللوح. يقال : سطرت واستطرت بمعنى. وقرأ الأعمش وعمران بن حدير وعصمة عن أبي بكر : بشد راء مستطر. قال صاحب اللوامح : يجوز أن يكون من طرّ النبات، والشارب إذا ظهر وثبت بمعنى : كل شيء ظاهر في اللوح مثبت فيه.
ويجوز أن يكون من الاستطار، لكن شدّد الراء للوقف على لغة من يقول : جعفرّ ونفعلّ بالتشديد وقفا. انتهى، ووزنه على التوجيه الأول استفعل، وعلى الثاني افتعل. وقرأ الجمهور : ونهر على الإفراد، والهاء مفتوحة والأعرج ومجاهد وحميد وأبو السمال والفياض بن غزوان : بسكونها، والمراد به الجنس، إن أريد به الأنهار، أو يكون معنى ونهر : وسعة في الأرزاق والمنازل، ومنه قول قيس بن الحطيم :
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها
أي : أوسعت فتقها. وقرأ زهير العرقبي والأعمش وأبو نهيك وأبو مجلز واليماني : بضم النون والهاء، جمع نهر، كرهن ورهن، أو نهر كأسد وأسد، وهو مناسب لجمع جنات.
وقيل : نهر جمع نهار، ولا ليل في الجنة، وهو بعيد. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ : يجوز أن يكون ضد الكذب، أي في المقعد الذي صدقوا في الخبر به، وأن يكون من قولك : رجل صدق : أي خير وجود وصلاح. وقرأ الجمهور : في مقعد، على الإفراد، يراد به اسم الجنس وعثمان البتي : في مقاعد على الجمع وعند تدل على قرب المكانة من اللّه تعالى، واللّه تعالى أعلم.