البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥١٤
القدر ظرفا للنزول، بل على نحو قول عمر رضي اللّه تعالى عنه : لقد خشيت أن ينزل فيّ قرآن. وقول عائشة : لأنا أحقر في نفسي من أن ينزل فيّ قرآن. وقال الزمخشري : عظم من القرآن من إسناد إنزاله إلى مختصا به، ومن مجيئه بضميره دون اسمه الظاهر شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التنبيه عليه، وبالرفع من مقدار الوقت الذي أنزل فيه. انتهى، وفيه بعض تلخيص. وسميت ليلة القدر، لأنه تقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العالم كلها وتدفع إلى الملائكة لتمتثله، قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما. وقال الزهري : معناه ليلة القدر العظيم والشرف، وعظم الشأن من قولك : رجل له قدر. وقال أبوبكر الوراق :
سميت بذلك لأنها تكسب من أحياها قدرا عظيما لم يكن له قبل، وترده عظيما عند اللّه تعالى. وقيل : سميت بذلك لأن كل العمل فيها له قدر وخطر. وقيل : لأنه أنزل فيها كتابا ذا قدر، على رسول ذي قدر، لأمة ذات قدر. وقيل : لأنه ينزل فيها ملائكة ذات قدر وخطر.
وقيل : لأنه قدر فيها الرحمة على المؤمنين. وقال الخليل : لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة، كقوله : وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ «١»، أي ضيق. وقد اختلف السلف والخلف في تعيين وقتها اختلافا متعارضا جدا، وبعضهم قال : رفعت، والذي يدل عليه الحديث أنها لم ترفع، وأن العشر الأخير تكون فيه، وأنها في أوتاره، كما
قال عليه الصلاة والسلام :«التمسوها في الثالثة والخامسة والسابعة والتاسعة».
وفي الصحيح :«من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ : تفخيم لشأنها، أي لم تبلغ درايتك غاية فضلها، ثم بين له ذلك. قال سفيان بن عيينة : ما كان في القرآن وَما أَدْراكَ، فقد أعلمه، وما قال : وما يدريك، فإنه لم يعلمه. قيل : وأخفاها اللّه تعالى عن عباده ليجدوا في العمل ولا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها. والظاهر أن أَلْفِ شَهْرٍ يراد به حقيقة العدد، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام. والحسن : في ليلة القدر أفضل من العمل في هذه الشهور، والمراد : خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ عار من ليلة القدر، وعلى هذا أكثر المفسرين. وقال أبو العالية : خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ : رمضان لا يكون فيها ليلة القدر. وقيل : المعنى خير من الدهر كله، لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء كلها، قال تعالى : يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ «٢»، يعني جميع الدهر. وعوتب الحسن بن عليّ على تسليمه الأمر لمعاوية فقال : إن اللّه تعالى أرى في المنام نبيه صلّى اللّه عليه وسلم بني أمية ينزون على مقبرة نزو القردة،
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٩٦.