البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٢٤
أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت
فعداها باللام. وقيل : الموحى إليه محذوف، أي أوحى إلى ملائكته المصرفين أن تفعل في الأرض تلك الأفعال. واللام في لها للسبب، أي من أجلها ومن حيث الأفعال فيها. وإذا كان الإيحاء إليها، احتمل أن يكون وحي إلهام، واحتمل أن يكون برسول من الملائكة. يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ : انتصب يومئذ بيصدر، والصدر يكون عن ورد. وقال الجمهور : هو كونهم في الأرض مدفونين، والصدر قيامهم للبعث، وأَشْتاتاً : جمع شت، أي فرقا مؤمن وكافر وعاص سائرون إلى العرض، لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ. وقال النقاش : الصدر قوم إلى الجنة وقوم إلى النار، ووردهم هو ورد المحشر. فعلى الأول المعنى : ليرى عمله ويقف عليه، وعلى قول النقاش : ليرى جزاء عمله وهو الجنة والنار.
والظاهر تعلق لِيُرَوْا بقوله يَصْدُرُ. وقيل : بأوحى لها وما بينهما اعتراض. وقال ابن عباس : أشتاتا : متفرقين على قدر أعمالهم، أهل الأيمان على حدة، وأهل كل دين على حدة. وقال الزمخشري : أشتاتا : بيض الوجوه آمنين، وسود الوجوه فزعين، انتهى.
ويحتمل أن يكون أشتاتا، أي كل واحد وحده، لا ناصر له ولا عاضد، كقوله تعالى :
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى «١».
وقرأ الجمهور : لِيُرَوْا بضم الياء والحسن والأعرج وقتادة وحماد بن سلمة والزهري وأبو حيوة وعيسى ونافع في رواية : بفتحها، والظاهر تخصيص العامل، أي فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً من السعداء، لأن الكافر لا يرى خيرا في الآخرة، وتعميم وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا من الفريقين، لأنه تقسيم جاء بعد قوله : يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ. وقال ابن عباس : قال هذه الأعمال في الآخرة، فيرى الخير كله من كان مؤمنا، والكافر لا يرى في الآخرة خيرا لأن خيره قد عجل له في دنياه، والمؤمن تعجل له سيآته الصغائر في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها، وما عمل من شر أو خير راه. ونبه بقوله : مِثْقالَ ذَرَّةٍ على أن ما فوق الذرة يراه قليلا كان أو كثيرا، وهذا يسمى مفهوم الخطاب، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد، بل يكون المسكوت عنه بالأولى في ذلك الحكم، كقوله : فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ «٢». والظاهر انتصاب خيرا وشرا على التمييز، لأن مثقال ذرة مقدار. وقيل : بدل من مثقال. وقرأ الجمهور : بفتح الياء
(٢) سورة الإسراء : ١٧/ ٢٣.