البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٢٩
فَأَثَرْنَ : معطوف على اسم الفاعل الذي هو صلة أل، لأنه في معنى الفعل، إذ تقديره : فاللاتي عدون فأغرن فأثرن. وقال الزمخشري : معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه، انتهى. وتقول أصحابنا : هو معطوف على الاسم، لأنه في معنى الفعل. وقرأ الجمهور : فَأَثَرْنَ، فَوَسَطْنَ، بتخفيف الثاء والسين وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بشدّهما
وعليّ وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى : بشدّ السين.
وقال الزمخشري : وقرأ أبو حيوة : فأثرن بالتشديد، بمعنى : فأظهرن به غبارا، لأن التأثير فيه معنى الإظهار، أو قلب ثورن إلى وثرن، وقلب الواو همزة. وقرىء : فوسطن بالتشديد للتعدية، والباء مزيدة للتوكيد، كقوله : فَأْتُوا بِهِ «١»، وهي مبالغة في وسطن، انتهى. أما قوله : أو قلب، فتمحل بارد. وأما أن التشديد للتعدية، فقد نقلوا أن وسط مخففا ومثقلا بمعنى واحد، وأنهما لغتان، والضمير في به عائد في الأول على الصبح، أي هيجن في ذلك الوقت غبارا، وفي به الثاني على الصبح. قيل : أو على النقع، أي وسطن النقع الجمع، فيكون وسطه بمعنى توسطه. وقال علي وعبد اللّه : فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً : أي الإبل
، وجمعا اسم للمزدلفة، وليس بجمع من الناس. وقال بشر بن أبي حازم :
فوسطن جمعهم وأفلت حاجب تحت العجاجة في الغبار الأقتم
وقيل : الضمير في به معا يعود على العدو الدال عليه وَالْعادِياتِ أيضا. وقيل :
يعود على المكان الذي يقتضيه المعنى، وإن لم يجر له ذكر، لدلالة والعاديات وما بعدها عليه. وقيل : المراد بالنقع هنا الصياح، والظاهر أن المقسم به هو جنس العاديات، وليست أل فيه للعهد، والمقسم عليه : إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وفي الحديث :«الكنود يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده».
وقال ابن عباس والحسن : هو الجحود لنعمة اللّه تعالى.
وعن الحسن أيضا : هو اللائم لربه، يعد السيئات وينسى الحسنات. وقال الفضيل : هو الذي تنسيه سيئة واحدة حسنات كثيرة، ويعامل اللّه على عقد عوض. وقال عطاء : هو الذي لا يعطى في النائبات مع قومه. وقيل : البخيل. وقال ابن قتيبة : أرض كنود : لا تنبت شيئا.
والظاهر عود الضمير في وَإِنَّهُ على ذلك لَشَهِيدٌ، أي يشهد على كنوده، ولا يقدر أن يجحده لظهور أمره، وقاله الحسن ومحمد بن كعب. وقال ابن عباس وقتادة : هو عائد على اللّه تعالى، أي وربه شاهد عليه، وهو على سبيل الوعيد. وقال التبريزي : هو عائد على اللّه تعالى، وربه شاهد عليه هو الأصح، لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورين، ويكون

(١) سورة الأنبياء : ٢١/ ٦١.


الصفحة التالية
Icon