البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٤
لا يَبْغِيانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
هذه السورة مكية في قول الجمهور، مدنية في قول ابن مسعود. وعن ابن عباس :
القولان، وعنه : سوى آية هي مدنية، وهي : يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآية.
وسبب نزولها فيما قال مقاتل : أنه لما نزل وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ «١» الآية، قالوا : ما نعرف الرحمن، فنزلت : الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ. وقيل : لما قالوا إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ «٢»، أكذبهم اللّه تعالى وقال : الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ. وقيل : مدنية نزلت، إذ أبى سهيل بن عمرو وغيره أن يكتب في الصلح : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما ذكر مقر المتقين في جنات ونهر عند مليك مقتدر، ذكر شيئا من آيات الملك وآثار القدرة، ثم ذكر مقر الفريقين على جهة الإسهاب، إذ كان في آخر السورة ذكره على جهة الاختصار والإيجاز. ولما ذكر قوله : عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ «٣»، فأبرز هاتين الصفتين بصورة التنكير، فكأنه قيل : من المتصف بذلك؟ فقال :
الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، فذكر ما نشأ عن صفة الرحمة، وهو تعليم القرآن الذي هو شفاء للقلوب. والظاهر أن الرَّحْمنُ مرفوع على الابتداء، وعَلَّمَ الْقُرْآنَ خبره. وقيل :
الرَّحْمنُ آية بمضمر، أي اللّه الرحمن، أو الرحمن ربنا، وذلك آية وعَلَّمَ الْقُرْآنَ استئناف إخبار. ولما عدّد نعمه تعالى، بدأ من نعمه بما هو أعلى رتبها، وهو تعليم القرآن، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به.
ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلم، ذكره بعد في قوله : خَلَقَ الْإِنْسانَ، ليعلم أنه المقصود بالتعليم. ولما كان خلقه من أجل الدين وتعليمه القرآن، كان كالسبب في خلقه تقدّم على خلقه. ثم ذكر تعالى الوصف الذي يتميز به الإنسان من المنطق المفصح عن الضمير، والذي به يمكن قبول التعليم، وهو البيان. ألا ترى أن الأخرس لا يمكن أن يتعلم شيئا مما يدرك بالنطق؟ وعلم متعدّية إلى اثنين، حذف أولهما لدلالة المعنى عليه، وهو جبريل، أو محمد عليهما الصلاة والسلام، أو الإنسان، أقوال. وتوهم

(١) سورة الفرقان : ٢٥/ ٦٠.
(٢) سورة النحل : ١٦/ ١٠٣. [.....]
(٣) سورة القمر : ٥٤/ ٥٥.


الصفحة التالية
Icon