البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٥٤
على ذات فلا يصح، لأن فذلك إشارة إلى الذي يكذب، فليسا بذاتين، لأن المشار إليه بقوله : فَذلِكَ هو واحد. وأما قوله : ويكون جواب أَرَأَيْتَ محذوفا، فلا يسمى جوابا، بل هو في موضع المفعول الثاني لأرأيت. وأما قوله : أنعم ما يصنع، فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على نعم ولا بئس، لأنهما إنشاء، والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر. وأما وضعه المصلين موضع الضمير، وأن المصلين جمع، لأن ضمير الذي يكذب معناه الجمع، فتكلف واضح ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلا على ما اقتضاه ظاهر التركيب، وهكذا عادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة. وتقدّم الكلام في الرياء في سورة البقرة.
وقرأ الجمهور : يراءون مضارع راأى، على وزن فاعل وابن أبي إسحاق والأشهب :
مهموزة مقصورة مشدّدة الهمزة وعن ابن أبي إسحاق : بغير شد في الهمزة. فتوجيه الأولى إلى أنه ضعف الهمزة تعدية، كما عدوا بالهمزة فقالوا في رأى : أرى، فقالوا : راأى، فجاء المضارع بأرى كيصلى، وجاء الجمع يروّون كيصلون، وتوجيه الثانية أنه استثقل التضعيف في الهمزة فخففها، أو حذف الألف من يراءون حذفا لا لسبب. وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ، قال ابن المسيب وابن شهاب : الماعون، بلغة قريش : المال. وقال الفرّاء عن بعض العرب : الماعون : الماء. وقال ابن مسعود وابن عباس وابن الحنفية والحسن والضحاك وابن زيد : ما يتعاطاه الناس بينهم، كالفأس والدلو والآنية. وفي الحديث :«سئل صلّى اللّه عليه وسلم عن الشيء الذي لا يحل منعه فقال : الماء والملح والنار».
وفي بعض الطرق : الإبرة والخمير.
وقال عليّ وابن عمر وابن عباس أيضا : الماعون : الزكاة
، ومنه قول الراعي :
أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى للّه من أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا
قوم على الإسلام لما يمنعوا ماعونهم ويضيعوا التهليلا
يعني بالماعون : الزكاة، وهذا القول يناسبه ما ذكره قطرب من أن أصله من المعن، وهو الشيء القليل، فسميت الزكاة ماعونا لأنها قليل من كثير، وكذلك الصدقة غيرها. وقال ابن عباس : هو العارية. وقال محمد بن كعب والكلبي : هو المعروف كله. وقال عبد اللّه بن عمر : منع الحق. وقيل : الماء والكلأ.