البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٦
جاريان على ما أراد اللّه بهما، من تسخيرهما وكينونتهما على ما اقتضته حكمته تعالى. ولما ذكر ما به حياة الأرواح من تعليم القرآن، ذكر ما به حياة الأشباح من النبات الذي له ساق، وكان تقديم النجم، وهو مالا ساق له، لأنه أصل القوت، والذي له ساق ثمره يتفكه به غالبا. والظاهر أن النجم هو الذي شرحناه، ويدل عليه اقترانه بالشجر. وقال مجاهد وقتادة والحسن : النجم : اسم الجنس من نجوم السماء. وسجودهما، قال مجاهد والحسن : ذلك في النجم بالغروب ونحوه، وفي الشجر بالظل واستدارته. وقال مجاهد أيضا : والسجود تجوز، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل. والجمل الأول فيها ضمير يربطها بالمبتدأ، وأما في هاتين الجملتين فاكتفى بالوصل المعنوي عن الوصل اللفظي، إذ معلوم أن الحسبان هو حسبانه، وأن السجود له لا لغيره، فكأنه قيل : بحسبانه ويسجدان له. ولما أوردت هذه الجمل مورد تعديد النعم، رد الكلام إلى العطف في وصل ما يناسب وصله، والتناسب الذي بين هاتين الجملتين ظاهر، لأن الشمس والقمر علويان، والنجم والشجر سفليان.
وَالسَّماءَ رَفَعَها : أي خلقها مرفوعة، حيث جعلها مصدر قضاياه ومسكن ملائكته الذين ينزلون بالوحي على أنبيائه، ونبه بذلك على عظم شأنه وملكه. وقرأ الجمهور :
وَالسَّماءَ، بالنصب على الاشتغال، روعي مشاكلة الجملة التي تليه وهي يَسْجُدانِ.
وقرأ أبو السمال : والسماء بالرفع، راعى مشاكلة الجملة الابتدائية. وقرأ الجمهور :
وَوَضَعَ الْمِيزانَ، فعلا ماضيا ناصبا الميزان، أي أقره وأثبته. وقرأ إبراهيم : ووضع الميزان، بالخفض وإسكان الضاد. والظاهر أنه كل ما يوزن به الأشياء وتعرف مقاديرها، وإن اختلفت الآلات، قال معناه ابن عباس والحسن وقتادة، جعله تعالى حاكما بالسوية في الأخذ والإعطاء. وقال مجاهد والطبري والأكثرون : الميزان : العدل، وتكون الآلات من بعض ما يندرج في العدل. بدأ أولا بالعلم، فذكر ما فيه أشرف أنواع العلوم وهو القرآن ثم ذكر ما به التعديل في الأمور، وهو الميزان، كقوله : وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ «١»، ليعلموا الكتاب ويفعلوا ما يأمرهم به الكتاب. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ :
أي لأن لا تطغوا، فتطغوا منصوب بأن. وقال الزمخشري : أو هي أن المفسرة. وقال ابن عطية : ويحتمل أن تكون أن مفسرة، فيكون تطغوا جزما بالنهي. انتهى، ولا يجوز ما قالاه من أن أن مفسرة، لأنه فات أحد شرطيها، وهو أن يكون ما قبلها جملة فيها معنى القول.