البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٧٦
يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا إذ جئتنا طارقا والليل قد غسقا
وقال محمد بن كعب : النهار دخل في الليل. وقال ابن شهاب : المراد بالغاسق :
الشمس إذا غربت. وقال القتبي وغيره : هو القمر إذا دخل في ساهوره فخسف. وفي الحديث :«نظر صلّى اللّه عليه وسلم إلى القمر فقال : يا عائشة، نعوذ باللّه من هذا، فإنه الفاسق إذا وقب».
وعنه صلّى اللّه عليه وسلم :«الغاسق النجم».
وقال ابن زيد عن العرب : الغاسق : الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عند ذلك. وقيل : الحية إذا لدغت، والغاسق سم نابها لأنه يسيل منه. والنفاثات : النساء، أو النفوس، أو الجماعات السواحر، يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين. وقرأ الجمهور : النَّفَّاثاتِ والحسن : بضم النون، وابن عمر والحسن أيضا وعبد اللّه بن القاسم ويعقوب في رواية النافثات والحسن أيضا وأبو الربيع :
النفثات بغير ألف، نحو الخدرات. والاستعاذة من شرهن هو ما يصيب اللّه تعالى به من الشر عند فعلهن ذلك.
وسبب نزول هاتين المعوذتين ينفي ما تأوله الزمخشري من قوله : ويجوز أن يراد به النساء ذات الكيادات من قوله : إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ «١»، تشبيها لكيدهن بالسحر والنفث في العقد، أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهنّ لهم، وعرضهنّ محاسنهن، كأنهن يسحرنهم بذلك، انتهى.
وقال ابن عطية : وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذى بذلك، وهذا الشأن في زماننا موجود شائع في صحراء المغرب. وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطا أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان، فمنعت من رضاع أمهاتها بذلك، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع، انتهى.
وقيل : الغاسق والحاسد بالطرف، لأنه إذا لم يدخل الليل لا يكون منسوبا إليه، وكذا كل ما فسر به الغاسق. وكذلك الحاسد، لا يؤثر حسده إذا أظهره بأن يحتال للمحسود فيما يؤذيه. أما إذا لم يظهر الحسد، فإنما يتأذى به هو لا المحسود، لاغتمامه بنعمة غيره. قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار أثره، انتهى. وعم أولا فقال : مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، ثم خص هذه لخفاء شرها، إذ يجيء من حيث لا يعلم، وقالوا : شر العداة المراجي بكيدك من حيث لا تشعر، ونكر غاسق وحاسد