البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٥٧٩
والوسواس، قالوا : اسم من أسماء الشيطان؟ والوسواس أيضا : ما يوسوس به شهوات النفس، وهو الهوى المنهي عنه. والخناس : الراجع على عقبه، المستتر أحيانا، وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد اللّه تعالى تأخر. وأما الشهوات فتخنس بالإيمان وبلمة الملك وبالحياء، فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس، ويكون معنى مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ : من الشياطين ونفوس الناس، أو يكون الوسواس أريد به الشيطان، والمغري : المزين من قرناء السوء، فيكون مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، تبيينا لذلك الوسواس. قال تعالى : عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً «١». وقال قتادة : إن من الإنس شياطين، ومن الجن شياطين، فنعوذ باللّه منهم. وقال أبو ذر لرجل : هل تعوذت من شياطين الإنس؟
وقال الزمخشري : الْوَسْواسِ اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه أو أريد ذو الوسواس. وقد تكلمنا معه في دعواه أن الزلزال بالفتح اسم وبالكسر مصدر في إِذا زُلْزِلَتِ «٢»، ويجوز في الذي الجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم، ومن في مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ للتبعيض، أي كائنا من الجنة والناس، فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من متعلقا بيوسوس، ومعناه ابتداء الغاية، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة ومن جهة الناس، انتهى.
ولما كانت مضرة الدين، وهي آفة الوسوسة، أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث : الرب والملك والإله، وإن اتحد المطلوب، وفي الاستعاذة من ثلاث : الغاسق والنفاثات والحاسد بصفة واحدة وهي الرب، وإن تكثر الذي يستعاذ منه.
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ : قل هو اللّه أحد والمعوذتين، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثا
، صلى اللّه عليه وسلم وشرّف ومجد وكرّم، وعلى آله وصحبه ذوي الكرم وسلم تسليما كثيرا.
تم والحمد للّه رب العالمين
(٢) سورة الزلزلة : ٩٩/ ١.