البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٦٠
لا تظهر، فإذا ذاق الإنسان من الملح المنبث فيه تلك الأجزاء الدقيقة لم يحس إلا الملوحة، والمعقول يشهد بذلك، لأن تداخل الأجسام غير ممكن، لكن التفرق والالتقاء ممكن. وأنشد القاضي منذر بن سعيد البلوطي، رحمه اللّه تعالى :
وممزوجة الأمواه لا العذب غالب على الملح طيبا لا ولا الملح يعذب
وقرأ الجمهور : يَخْرُجُ مبنيا للفاعل ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة : مبنيا للمفعول والجعفي، عن أبي عمرو : بالياء مضمومة وكسر الراء، أي يخرج اللّه وعنه وعن أبي عمرو، وعن ابن مقسم : بالنون. واللؤلؤ والمرجان نصب في هاتين القراءتين.
والظاهر في مِنْهُمَا أن ذلك يخرج من الملح والعذب. وقال بذلك قوم، حكاه الأخفش. ورد الناس هذا القول، قالوا : والحس يخالفه، إذ لا يخرج إلا من الملح، وعابوا قول الشاعر :
فجاء بها ما شئت من لطيمة على وجهها ماء الفرات يموج
وقال الجمهور : إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة، فناسب إسناد ذلك إليهما، وهذا مشهور عند الغواصين. وقال ابن عباس وعكرمة :
تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر، لأن الصدف وغيرها تفتح أفواهها للمطر، فلذلك قال مِنْهُمَا. وقال أبو عبيدة : إنما يخرج من الملح، لكنه قال مِنْهُمَا تجوزا.
وقال الرماني : العذب فيها كاللقاح للملح، فهو كما يقال الولد يخرج من الذكر والأنثى.
وقال ابن عطية، وتبع الزجاج من حيث هما نوع واحد، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما، وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما، كما قال : سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً «١»، وإنما هو في إحداهن، وهي الدنيا إلى الأرض. وقال الزمخشري نحوا من قول ابن عطية، قال : فإن قلت : لم قال مِنْهُمَا، وإنما يخرجان من الملح؟ قلت : لما التقيا وصارا كالشيء الواحد، جاز أن يقال : يخرجان منهما، كما يقال :
يخرجان من البحر، ولا يخرجان من جميع البحر، ولكن من بعضه. وتقول : خرجت من البلد، وإنما خرجت من محلة من محالة، بل من دار واحدة من دوره. وقيل : لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب. انتهى. وقال أبو علي الفارسي : هذا من باب حذف المضاف، والتقدير : يخرج من أحدهما، كقوله تعالى :

(١) سورة نوح : ٧١/ ١٥ - ١٦.


الصفحة التالية
Icon