البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٦٢
يريد : لتهدأ، التاء لتأنيث الصفة، كتبت تاء على لفظها في الوصل. كَالْأَعْلامِ :
أي كالجبال والآكام، وهذا يدل على كبر السفن حيث شبهها بالجبال، وإن كانت المنشآت تنطلق على السفينة الكبيرة والصغيرة. وعبر بمن في قوله : كُلُّ مَنْ عَلَيْها تغليبا لمن يعقل، والضمير في عَلَيْها قليل عائد على الأرض في قوله : وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ، فعاد الضمير عليها، وإن كان بعد لفظها. والفناء عبارة عن إعدام جميع الموجودات من حيوان وغيره، والوجه يعبر به عن حقيقة الشيء، والجارجة منتفية عن اللّه تعالى، ونحو : كل شيء هالك إلا وجهه. وتقول صعاليك مكة : أين وجه عربي كريم يجود عليّ؟ وقرأ الجمهور : ذو بالواو، وصفة للوجه وأبي وعبد اللّه : ذي بالياء، صفة للرب.
والظاهر أن الخطاب في قوله : وَجْهُ رَبِّكَ للرسول، وفيه تشريف عظيم له صلى اللّه عليه وسلم. وقيل :
الخطاب لكل سامع. ومعنى ذُو الْجَلالِ : الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم، أو الذي يتعجب من جلاله، أو الذي عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده.
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ : أي حوائجهم، وهو ما يتعلق بمن في السموات من أمر الدين وما استعبدوا به، ومن في الأرض من أمر دينهم ودنياهم. وقال أبو صالح : من في السموات : الرحمة، ومن في الأرض : المغفرة والرزق. وقال ابن جريج :
الملائكة الرزق لأهل الأرض والمغفرة، وأهل الأرض يسألونهما جميعا. والظاهر أن قوله :
يسأله استئناف إخبار. وقيل : حال من الوجه، والعامل فيه يبقى، أي هو دائم في هذه الحال. انتهى، وفيه بعد. ومن لا يسأل، فحاله تقتضي السؤال، فيصح إسناد السؤال إلى الجميع باعتبار القدر المشترك، وهو الافتقار إليه تعالى.
كُلَّ يَوْمٍ : أي كل ساعة ولحظة، وذكر اليوم لأن الساعات واللحظات في ضمنه.
هُوَ فِي شَأْنٍ، قال ابن عباس : في شأن يمضيه من الخلق والرزق والإحياء والإماتة.
وقال عبيد بن عمير : يجيب داعيا، ويفك عانيا، ويتوب على قوم، ويغفر لقوم. وقال سويد بن غفلة : يعتق رقابا، ويعطي رغاما ويقحم عقابا. وقال ابن عيينة : الدهر عند اللّه يومان، أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا، فشأنه فيه الأمر والنهي والإماتة والإحياء والثاني الذي هو يوم القيامة، فشأنه فيه الجزاء والحساب. وعن مقاتل : نزلت في اليهود، فقالوا :
إن اللّه لا يقضي يوم السبت شيئا. وقال الحسين بن الفضل، وقد سأله عبد اللّه بن طاهر عن قوله : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ : وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة فقال :


الصفحة التالية
Icon