البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٦٤
فرغت إلى العبد المقيد في الحجل وفي الحديث :«فرغ ربك من أربع»، وفيه :«لأتفرغن إليك يا خبيث»
، يخاطب به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إرب العقبة يوم بيعتها : أي لأقصدن إبطال أمرك، نقل هذا عن الخليل والكسائي والفراء. وقرأ الجمهور : سنفرغ بنون العظمة وضم الراء، من فرغ بفتح الراء، وهي لغة الحجاز وحمزة والكسائي وأبو حيوة وزيد بن علي : بياء الغيبة وقتادة والأعرج :
بالنون وفتح الراء، مضارع فرغ بكسرها، وهي تميمية وأبو السمال وعيسى : بكسر النون وفتح الراء. قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر والأعمش وأبو حيوة بخلاف عنهما وابن أبي عبلة والزعفراني : بضم الياء وفتح الراء، مبنيا للمفعول وعيسى أيضا : بفتح النون وكسر الراء والأعرج أيضا : بفتح الياء والراء، وهي رواية يونس والجعفي وعبد الوارث عن أبي عمرو. والثقلان : الإنس والجن، سميا بذلك لكونهما ثقيلين على وجه الأرض، أو لكونهما مثقلين بالذنوب، أو لثقل الإنس. وسمي الجن ثقلا لمجاورة الإنس، والثقل :
الأمر العظيم. وفي الحديث :«إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي»
، سميا بذلك لعظمهما وشرفهما.
والظاهر أن قوله : يا مَعْشَرَ الآية من خطاب اللّه إياهم يوم القيامة، يَوْمَ التَّنادِ «١». وقيل : يقال لهم ذلك. قال الضحاك : يفرون في أقطار الأرض لما يرون من الهول، فيجدون الملائكة قد أحاطت بالأرض، فيرجعون من حيث جاءوا، فحينئذ يقال لهم ذلك. وقيل : هو خطاب في الدنيا، والمعنى : إن استطعتم الفرار من الموت. وقال ابن عباس : إِنِ اسْتَطَعْتُمْ بأذهانكم وفكركم، أَنْ تَنْفُذُوا، فتعلمون علم أَقْطارِ :
أي جهات السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. قال الزمخشري : يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، كالترجمة لقوله : أَيُّهَ الثَّقَلانِ، إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أن تهربوا من قضائي، وتخرجوا من ملكوتي ومن سمائي وأرضي فافعلوا ثم قال : لا تقدرون على النفوذ إِلَّا بِسُلْطانٍ، يعني : بقوة وقهر وغلبة، وأنى لكم ذلك، ونحوه : وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ «٢». انتهى. فَانْفُذُوا : أمر تعجيز. وقال قتادة : السلطان هنا الملك، وليس لهم ملك. وقال الضحاك أيضا : بينما الناس في أسواقهم، انفتحت السماء ونزلت الملائكة، فتهرب الجن والإنس، فتحدق بهم الملائكة. وقرأ زيد بن علي : إن استطعتما، على خطاب تثنية الثقلين ومراعاة الجن والإنس والجمهور : على خطاب الجماعة إن
(٢) سورة العنكبوت : ٢٩/ ٥١.