البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٧٦
عليها. والعامل في الظرف إنما هو ما يقع فيه من الحدث، فإذا قلت : يوم الجمعة أقوم، فالقيام واقع في يوم الجمعة، وليس لا حدث لها، فكيف يكون لها عمل في الظرف؟
والمثال الذي شبه به، وهو يوم القيامة، ليس لي شغل، لا يدل على أن يوم الجمعة منصوب بليس، بل هو منصوب بالعامل في خبر ليس، وهو الجار والمجرور، فهو من تقديم معمول الخبر على ليس، وتقديم ذلك مبني على جواز تقديم الخبر الذي لليس عليها، وهو مختلف فيه، ولم يسمع من لسان العرب : قائما ليس زيد. وليس إنما تدل على نفي الحكم الخبري عن المحكوم عليه فقط، فهي كما، ولكنه لما اتصلت بها ضمائر الرفع، جعلها ناس فعلا، وهي في الحقيقة حرف نفي كما النافية.
ويظهر من تمثيل الزمخشري إذا بقوله : يوم الجمعة، أنه سلبها الدلالة على الشرط الذي هو غالب فيها، ولو كانت شرطا، وكان الجواب الجملة المصدرة بليس، لزمت الفاء، إلا إن حذفت في شعر، إذ ورد ذلك، فنقول : إذا أحسن إليك زيد فلست تترك مكافأته. ولا يجوز لست بغير فاء، إلا إن اضطر إلى ذلك. وأما تقديره : إذا وقعت كان كيت وكيت، فيدل على أن إذا عنده شرطية، ولذلك قدر لها جوابا عاملا فيها. وأما قوله :
بإضمار اذكر، فإنه سلبها الظرفية، وجعلها مفعولا بها منصوبة باذكر.
وكاذِبَةٌ : ظاهره أنه اسم فاعل من كذب، وهو صفة لمحذوف، فقدره الزمخشري : نفس كاذبة، أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على اللّه، وتكذب في تكذيب الغيب، لأن كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذبات، لقوله تعالى : فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ «١»، لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ «٢» وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ «٣»، واللام مثلها في قوله : يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي «٤»، إذ ليس لها نفس تكذبها وتقول لها : لم تكذبي، كما لها اليوم نفوس كثيرة يقلن لها : لم تكذبي، أو هي من قولهم : كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم، إذا شجعته على مباشرته، وقالت له : إنك تطيقه وما فوقه، فتعرض له ولا تبال على معنى : أنها وقعة لا تطاق بشدة وفظاعة، وأن لا نفس حينئذ تحدث صاحبها بما تحدثه به عند عظائم الأمور، وتزين له احتمالها وإطاقتها، لأنهم يومئذ أضعف من ذلك وأذل. ألا ترى إلى قوله تعالى : كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ «٥»؟ والفراش مثل في الضعف.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦/ ٢٠١.
(٣) سورة الحج : ٢٢/ ٥٥.
(٤) سورة الفجر : ٨٩/ ٢٤.
(٥) سورة القارعة : ١٠١/ ٤.