البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٧٨
مراتب ويتضع ناس وأما أن الأشقياء يحطون إلى الدركات، والسعداء يحطون إلى الدرجات وأما أنها تزلزل الأشياء عن مقارها لتخفض بعضا وترفع بعضا، حيث تسقط السماء كسفا، وتنتثر الكواكب وتنكدر، وتسير الجبال فتمر في الجو مر السحاب. انتهى.
إِذا رُجَّتِ، قال ابن عباس : زلزلت وحركت بجذب. وقال أيضا هو وعكرمة ومجاهد : بُسَّتِ : فتتت، وقيل : سيرت. وقرأ زيد بن علي : رُجَّتِ، وبُسَّتِ مبنيا للفاعل، وإِذا رُجَّتِ بدل من إِذا وَقَعَتِ، وجواب الشرط عندي ملفوظ به، وهو قوله : فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، والمعنى إذا كان كذا وكذا، فأصحاب الميمنة ما أسعدهم وما أعظم ما يجازون به، أي إن سعادتهم وعظم رتبتهم عند اللّه تظهر في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم. وقال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة، أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال، لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض. انتهى. ولا يجوز أن ينتصب بهما معا، بل بأحدهما، لأنه لا يجوز أن يجتمع مؤثران على أثر واحد. وقال ابن جني وأبو الفضل الرازي : إِذا رُجَّتِ في موضع رفع على أنه خبر للمبتدأ الذي هو إِذا وَقَعَتِ، وليست واحدة منهما شرطية، بل جعلت بمعنى وقت، وما بعد إذا أحوال ثلاثة، والمعنى : وقت وقوع الواقعة صادقة الوقوع، خافضة قوم، رافعة آخرين وقت رج الأرض. وهكذا ادعى ابن مالك أن إذا تكون مبتدأ، واستدل بهذا. وقد ذكرنا في شرح التسهيل ما تبقى به إذا على مدلولها من الشرط، وتقدم شرح الهباء في سورة الفرقان. مُنْبَثًّا : منتشرا. منبتا بنقطتين بدل الثاء المثلثة، قراءة الجمهور، أي منقطعا.
وَكُنْتُمْ : خطاب للعالم، أَزْواجاً ثَلاثَةً : أصنافا ثلاثة، وهذه رتب للناس يوم القيامة. فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، قال الحسن والربيع : هم الميامين على أنفسهم. وقيل :
الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم. وقيل : أصحاب المنزلة السنية، كما تقول : هو مني باليمين. وقيل : المأخوذ بهم ذات اليمين، أو ميمنة آدم المذكورة في حديث الإسراء في الأسودة. وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ : هم من قابل أصحاب الميمنة في هذه الأقوال، فأصحاب مبتدأ، وما : مبتدأ ثان استفهام في معنى التعظيم، وأصحاب الميمنة خبر عن ما، وما بعدها خبر عن أصحاب، وربط الجملة بالمبتدأ تكرار المبتدأ بلفظه، وأكثر ما يكون ذلك في موضع التهويل والتعظيم، وما تعجب من حال الفريقين في السعادة والشقاوة، والمعنى : أي شيء هم.