البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٩
الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى، أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى
هذه السورة مكية. ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة، لأنه قال : أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ «١» :
أي اختلق القرآن، ونسبوه إلى الشعر وقالوا : هو كاهن ومجنون فأقسم تعالى أنه صلى اللّه عليه وسلم ما ضل، وأن ما يأتي به هو وحي من اللّه، وهي أول سورة أعلن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بها في الحرم، والمشركون يستمعون، فيها سجد، وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب، فإنه رفع حفنة من تراب إلى جبهته وقال : يكفي هذا. وسبب نزولها قول المشركين : إن محمدا صلى اللّه عليه وسلم يختلق القرآن. وأقسم تعالى بالنجم، فقال ابن عباس ومجاهد والفراء والقاضي منذر بن سعيد : هو الجملة من القرآن إذا نزلت، وقد نزل منجما في عشرين سنة. وقال الحسن ومعمر بن المثنى : هو هنا اسم جنس، والمراد النجوم إذا هوت : أي غربت، قال الشاعر :
فباتت تعد النجم في مستجره سريع بأيدي الآكلين حمودها
أي : تعد النجوم. وقال الحسن وأبو حمزة الثمالي : النجوم إذا انتثرت في القيامة. وقال ابن عباس أيضا : هو انقض في أثر الشياطين، وهذا تساعده اللغة. وقال الأخفش : والنجم إذا طلع، وهويه : سقوطه على الأرض. وقال ابن جبير الصادق : هو النبي صلى اللّه عليه وسلم
، وهويه : نزوله ليلة المعراج. وقيل : النجم معين. فقال مجاهد وسفيان : هو الثريا، وهويها : سقوطها مع الفجر، وهو علم عليها بالغلبة، ولا تقول العرب النجم مطلقا إلا للثريا، ومنه قول العرب :
طلع النجم عشاء فابتغى الراعي كساء
طلع النجم غديه فابتغى الراعي كسيه
وقيل : الشعرى، وإليها الإشارة بقوله : وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى، والكهان والمنجمون يتكلمون على المغيبات عند طلوعها. وقيل : الزهرة، وكانت تعبد. وقيل : وَالنَّجْمِ :
هم الصحابة. وقيل : العلماء مفرد أريد به الجمع، وهو في اللغة خرق الهوى ومقصده السفل، إذ مصيره إليه، وإن لم يقصد إليه. وقال الشاعر :
هوى الدلو أسلمها الرشا ومنه : هوى العقاب. صاحِبُكُمْ : هو محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والخطاب لقريش :
أي هو مهتد راشد، وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغي. وَما يَنْطِقُ :