البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٨٩
الوعيد. ويجوز أن يكون أَمْثالَكُمْ
جمع مثل بمعنى الصفة، أي نحن قادرون على أن نغير صفاتكم التي أنتم عليها خلقا وخلقا، وَنُنْشِئَكُمْ
في صفات لا تعلمونها.
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى : أي علمتم أنه هو الذي أنشأكم، أولا أنشأنا إنسانا.
وقيل : نشأة آدم، وأنه خلق من طين، ولا ينكرها أحد من ولده. فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ : حض على التذكير المؤدي إلى الإيمان والإقرار بالنشأة الآخرة. وقرأ الجمهور : تذكرون بشد الذال وطلحة يخفها وضم الكاف، قالوا : وهذه الآية دالة على استعمال القياس والحض عليه. انتهى، ولا تدل إلا على قياس الأولى، لا على جميع أنواع القياس. أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ : ما تذرونه في الأرض وتبذرونه، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ : أي زرعا يتم وينبت حتى ينتفع به، والحطام : اليابس المتفتت الذي لم يكن له حب ينتفع به. فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : تعجبون. وقال عكرمة : تلاومون. وقال الحسن : تندمون. وقال ابن زيد : تنفجعون، وهذا كله تفسير باللازم. ومعنى تفكهون :
تطرحون الفكاهة عن أنفسكم وهي المسرة، ورجل فكه : منبسط النفس غير مكترث بشيء، وتفكه من أخوات تخرج وتحوب. وقرأ الجمهور : فَظَلْتُمْ، بفتح الظاء ولام واحدة وأبو حيوة وأبو بكر في رواية القيكي عنه : بكسرها. كما قالوا : مست بفتح الميم وكسرها، وحكاها الثوري عن ابن مسعود، وجاءت عن الأعمش. وقرأ عبد اللّه والجحدري : فظللتم على الأصل، بكسر اللام. وقرأ الجحدري أيضا : بفتحها، والمشهور ظللت بالكسر. وقرأ الجمهور : تَفَكَّهُونَ وأبو حرام : بالنون بدل الهاء. قال ابن خالويه : تفكه : تعجب، وتفكن : تندم. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ، قبله محذوف : أي يقولون.
وقرأ الجمهور : إنا والأعمش والجحدري وأبو بكر : أإنا بهمزتين، لَمُغْرَمُونَ : أي معذبون من الغرام، وهو أشد العذاب، قال :
إن يعذب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي
أو لمحملون الغرم في النفقة، إذ ذهب عنا غرم الرجل وأغرمته. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ : محدودون، لا حظ لنا في الخير. الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. هذا الوصف يغني عن وصفه بالعذاب. ألا ترى مقابله، وهو الأجاج؟ ودخلت اللام في لَجَعَلْناهُ حُطاماً، وسقطت في قوله : جَعَلْناهُ أُجاجاً، وكلاهما فصيح. وطول الزمخشري في مسوغ ذلك، وملخصه : أن الحرف إذا كان في مكان، وعرف واشتهر في ذلك المكان، جاز حذفه لشهرة أمره. فإن اللام علم لارتباط الجملة الثانية بالأولى، فجاز حذفه استغناء