البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٩٢
وَلَيَحْلِفُنَّ جواب قسم، وهو قسم، لكنه لما لم يكن حلفهم حالا، بل مستقبلا، لزمت النون، وهي مخلصة المضارع للاستقبال. وقرأ الجمهور : بِمَواقِعِ جمعا وعمر وعبد اللّه وابن عباس وأهل المدينة وحمزة والكسائي : بموقع مفردا، مرادا به الجمع. قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم : هي نجوم القرآن التي أنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويؤيد هذا القول قوله : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ، فعاد الضمير على ما يفهم من قوله : بِمَواقِعِ النُّجُومِ، أي نجوم القرآن. وقيل : النجوم : الكواكب ومواقعها. قال مجاهد وأبو عبيدة :
عند طلوعها وغروبها. وقال قتادة : مواقعها : مواضعها من السماء. وقال الحسن : مواقعها عند الانكدار يوم القيامة. وقيل : عند الانفضاض أثر العفاري، ومن تأول النجوم على أنها الكواكب، جعل الضمير في إنه يفسره سياق الكلام، كقوله : حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «١».
وفي إقسامه تعالى بمواقع النجوم سر في تعظيم ذلك لا نعلمه نحن، وقد أعظم ذلك تعالى فقال : وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. والجملة المقسم عليها قوله : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، وفصل بين القسم وجوابه فالظاهر أنه اعتراض بينهما، وفيه اعتراض بين الصفة والموصوف بقوله : لَوْ تَعْلَمُونَ. وقال ابن عطية : وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ تأكيد للأمر وتنبيه من المقسم به، وليس هذا باعتراض بين الكلامين، بل هذا معنى قصد التهمم به، وإنما الاعتراض قوله : لَوْ تَعْلَمُونَ. انتهى. وكريم : وصف مدح ينفي عنه مالا يليق به. وقال الزمخشري : كَرِيمٌ : حسن مرضي في جنسه من الكتب، أو نفاع جم المنافع، أو كريم على اللّه تعالى. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ : أي مصون. قال ابن عباس ومجاهد : الكتاب الذي في السماء. وقال عكرمة : التوراة والإنجيل، كأنه قال : ذكر في كتاب مكنون كرمه وشرفه، فالمعنى على هذا الاستشهاد بالكتب المنزلة. وقيل : فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ : أي في مصاحف للمسلمين مصونة من التبديل والتغيير، ولم تكن إذ ذاك مصاحف، فهو إخبار بغيب.
والظاهر أن قوله : لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وصف لقرآن كريم، فالمطهرون هم الملائكة. وقيل : لا يَمَسُّهُ صفة لكتاب مكنون، فإن كان الكتاب هو الذي في السماء، فالمطهرون هم الملائكة أيضا : أي لا يطلع عليه من سواهم، وكذا على قول عكرمة : هم الملائكة، وإن أريد بكتاب مكنون الصحف، فالمعنى : أنه لا ينبغي أن يمسه إلا من هو