البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٠٥
بالناعق، قيل : يكون التقدير : ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم وعقلهم، كمثل الرّعاة يكلمون البهم، والبهم لا تعقل شيئا. وقيل : يكون التقدير : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم، كمثل الناعق بغنمه، فلا ينتفع من نعيقه بشيء غير أنه في عناء ونداء، وكذلك الكافر ليس له من دعائه الآلهة وعبادته الأوثان إلا العناء. قال الزمخشري : وقد ذكر هذا القول، إلا أن قوله : إِلَّا دُعاءً وَنِداءً لا يساعد عليه، لأن الأصنام لا تسمع شيئا. انتهى كلامه. ولحظ الزمخشري في هذا القول تمام التشبيه من كلّ جهة، فكما أن المنعوق به لا يسمع إلا دعاء ونداء، فكذلك مدعو الكافر من الصنم، والصنم لا يسمع، فضعف عنده هذا القول. ونحن نقول : التشبيه وقع في مطلق الدعاء، لا في خصوصيات المدعو، فشبه الكافر في دعائه الصنم بالناعق بالبهيمة، لا في خصوصيات المنعوق به. وقيل في هذا القول، أعني قول من قال التقدير : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم وأصنامهم أن الناعق هنا ليس المراد به الناعق بالبهائم من الضأن أو غيرها، وإنما المراد به الصائح في جوف الجبال، فيجيبه منها صوت يقال له الصدا، يجيبه ولا ينفعه.
فالمعنى : بما لا يسمع منه الناعق إلا دعاءه ونداءه، قاله ابن زيد. فعلى القولين السابقين يكون الفاعل بيسمع ضميرا يعود على ما، وهو المنعوق به. وعلى هذا القول يكون الفاعل ضميرا عائدا على الذي ينعق، ويكون الضمير العائد على ما الرابط للصلة بالموصول محذوفا لفهم المعنى تقديره : بما لا يسمع منه، وليس فيه شروط جواز الحذف، لأن الضمير مجرور بحرف جر الموصول بغيره. واختلف ما يتعلقان به، فالحرف الأول باء تعلقت بينعق، والثاني من تعلق بيسمع. وقد جاء في كلامهم مثل هذا، قال : وقيل المراد بالذين كفروا : المتبوعون لا التابعون، ومعناه : مثل الذين كفروا في دعائهم أتباعهم، وكون أتباعهم لا يحصل لهم منهم إلا الخيبة والخسران، كمثل الناعق بالغنم. وأمّا القول على أن المثل مضروب بتشبيه الكافر بالمنعوق به، وهو البهائم التي لا تعقل مثل : الإبل، والبقر، والغنم، والحمير، وهو قول ابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وقتادة والحسن والربيع والسدي. وأكثر المفسرين اختلفوا في تقدير مصحح هذا التشبيه، فقيل التقدير : ومثل الذين كفروا في دعاتهم إلى اللّه تعالى وعدم سماعهم إياه، كمثل بهائم الذي ينعق، فهو على حذف قيد في الأول، وحذف مضاف من الثاني. وقيل التقدير : ومثل الذين كفروا في عدم فهمهم عن اللّه وعن رسوله، كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنهي غير الصوت. فيراد بالذي ينعق، الذي ينعق به، فيكون هذا من المقلوب عندهم. قالوا :


الصفحة التالية
Icon