البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٥١
فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ. ارتفاع اتباع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي : فالحكم، أو الواجب كذا قدره ابن عطية، وقدره الزمخشري : فالأمر اتباع، وجوز أيضا رفعه بإضمار فعل تقديره : فليكن اتباع، وجوّزوا أيضا أن يكون مبتدأ محذوف الخبر وتقديره : فعلى الولي اتباع القاتل بالدية، وقدروه أيضا متأخرا تقديره، فاتباع بالمعروف عليه.
قال ابن عطية بعد تقديره : فالحكم أو الواجب اتباع، وهذا سبيل الواجبات، كقوله فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ «١» وأما المندوب إليه فيأتي منصوبا كقوله : فَضَرْبَ الرِّقابِ «٢» انتهى.
ولا أدري هذه التفرقة بين الواجب والمندوب إلّا ما ذكروا من أن الجملة الابتدائية أثبت وآكد من الجملة الفعلية في مثل قوله : قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ «٣» فيمكن أن يكون هذا الذي لحظه ابن عطية من هذا. وأما إضمار الفعل الذي قدره الزمخشري : فليكن، فهو ضعيف إذ : كان، لا تضمر غالبا إلّا بعد أن الشرطية، أو : لو، حيث يدل على إضمارها الدليل، وبِالْمَعْرُوفِ متعلق بقوله : فاتباع، وارتفاع : وَأَداءٌ لكونه معطوفا على اتباع، فيكون فيه من الإعراب ما قدروا في : فاتباع، ويكون بإحسان متعلقا بقوله : وأداء، وجوزوا أن يكون : وأداء، مبتدأ، وبإحسان، هو الخبر، وفيه بعد. والفاء في قوله : فاتباع، جواب الشرط إن كانت من شرطا، والداخلة في خبر المبتدأ إن كانت من موصولة، فإن كانت من :
كناية عن القاتل وأخوه : كناية عن الولي، وهو الظاهر، فتكون الجملة توصية للمعفو عنه والعافي يحسن القضاء من المؤدي، وحسن التقاضي من الطالب، وإن كان الأخ كناية عن المقتول كانت الهاء في قوله : وأداء إليه، عائدة على ما يفهم من يصاحب يوجه ما، لأن في قوله : عفى، دلالة على العافي فيكون نظير قوله : حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «٤» إذ في العشي دلالة على مغيب الشمس، وقول الشاعر :
لك الرجل الحادي وقد منع الضحى وطير المنايا فوقهن أواقع
أي : فوق الإبل، لأن في قوله : الحادي، دلالة عليهن، وإن كانت من كناية عن القاتل فيكون أيضا توصية له وللولي بحسن القضاء والتقاضي، أي : فاتباع من الولي
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٢٩.
(٢) سورة محمد : ٤٧/ ٤.
(٣) سورة هود : ١١/ ٦٩.
(٤) سورة ص : ٣٨/ ٣٢.