البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٥٣
يستقل من الأعمال الصالحة في المدة التي عاشها بعد استحقاق قتله ما يمحو به هذه الفعلة الشنعاء، فمن الرحمة إمهاله لعله يصلح أعماله.
فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ أي : من تجاوز شرع اللّه بعد القود وأخذ الدية بقتل القاتل بعد سقوط الدم، أو بقتل غير القاتل، وكانوا في الجاهلية يفعلون ذلك، ويقتلون بالواحد الإثنين والثلاثة والعشرة، وقيل : المعنى : من قتل بعد أخذ الدية، وقيل : بعد العفو، وقيل : من أخذ الدية بعد العفو عنها. والأظهر القول الأول لتقدم العفو، وأخذ المال، والاعتداء، وهو تجاوز الحد يشمل ذلك كله.
وقال الزمخشري : بعد ذلك التخفيف، فجعل ذلك إشارة إلى التخفيف، وليس يظهر أن ذلك إشارة إلى التخفيف، وإنما الظاهر ما شرحناه به من العفو وأخذ الدية، وكون ذلك تخفيفا هو كالعلة لمشروعية العفو وأخذ الدية، ويحتمل : من في قوله : فَمَنِ اعْتَدى أن تكون شرطية، وأن تكون موصولة.
فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ جواب الشرط، أو خبر عن الموصول، وظاهر هذا العذاب أنه في الآخرة، لأن معظم ما ورد من هذه التوعدات إنما هي في الآخرة. وقيل : العذاب الأليم هو في الدنيا، وهو قتله قصاصا، قاله عكرمة، وابن جبير، والضحاك : وقيل : هو قتله البتة حدا، ولا يمكّن الحاكم الوليّ من العفو قاله عكرمة أيضا، وقتادة، والسدي.
وقيل : عذابه أن يرد الدية ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة، قاله الحسن.
وقيل : عذابه تمكين الإمام منه يصنع فيه ما يرى، قاله عمر بن عبد العزيز. ومذهب جماعة من العلماء أنه إذا قتل بعد سقوط الدم هو كمن قتل ابتداء، إن شاء الولي قتله، وإن شاء عفا عنه.
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الحياة التي في القصاص هي : أن الإنسان إذا علم أنه إذا قتل قتل، أمسك عن القتل، فكان ذلك حياة له، والذي امتنع من قتله، فمشروعية القصاص مصلحة عامة، وإبقاء القاتل والعفو عنه مصلحة خاصة به، فتقدّم المصلحة العامة لتعذر الجمع بينهما. أو المعنى : ولكم في شرع القصاص حياة، وكانت العرب إذا قتل الرجل حمى قبيلة أن تقتص منه، فيقتتلون، ويفضي ذلك إلى قتل عدد كثير، فلما شرع القصاص رضوا به وسلموا القاتل للقود، وصالحوا على الدية