البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٦١
ويكون جواب الشرط الثاني محذوفا يدل عليه جواب الشرط الأول المحذوف، فيكون المحذوف دل على محذوف، والشرط الثاني شرط في الأول، فلذلك يقتضي أن يكون متقدّما في الوجود، وإن كان متأخرا لفظا. واجتماع الشرطين غير مجعول الثاني جوابا للأول بالفاء من أصعب المسائل النحوية، وقد أوضحنا الكلام على ذلك واستوفيناه فيه في (كتاب التكميل) من تأليفنا، فيؤخذ منه.
وقيل : جواب الشرطين محذوف ويقدر من معنى كتب عليكم الوصية ويتجوز بلفظ : كتب، عن لفظ : يتوجه إيجاب الوصية عليكم. حتى يكون مستقبلا فيفسر الجواب، لأن مستقبل، وعلى هذا التقدير يجوز أن يكون إذا ظرفا محضا لا شرطا، فيكون إذ ذاك العامل فيها : كتب، على هذا التقدير، ويكون جواب : إِنْ تَرَكَ خَيْراً محذوفا يدل عليه : كتب، على هذا التقدير، ولا يجوز عند جمهور النحاة أن يكون إذا معمولا للوصية لأنها مصدر وموصول، ولا يتقدّم معمول الموصول عليه، وأجاز ذلك أبو الحسن لأنه يجوز عنده أن يتقدّم المعمول إذا كان ظرفا على العامل فيه إذا لم يكن موصولا محضا، وهو عنده المصدر، والألف واللام في نحو : الضارب والمضروب، وهذا الشرط موجود هنا، وإلى هذا ذهب في قوله.
أبعلي هذا بالرحى المتقاعس فعلق : بالرحى، بلفظ : المتقاعس.
وقال أبو محمد بن عطية : ويتجه في إعراب هذه الآية أن يكون : كتب، هو العامل في : إذا، والمعنى : توجه إيجاب اللّه عليكم مقتضى كتابه إذا حضر، فعبر عن توجيه الإيجاب : بكتب، ليتنظم إلى هذا المعنى أنه مكتوب في الأزل، والوصية مفعول لم يسم فاعله بكتب، وجواب الشرطين : إذا وإن، مقدر يدل عليه ما تقدّم من قوله : كُتِبَ عَلَيْكُمْ كما تقول : شكرت فعلك إن جئتني إذا كان كذا. انتهى كلامه. وفيه تناقض لأنه قال : العامل في إذا : كتب، وإذا كان العامل فيها كتب تمحضت للظرفية ولم تكن شرطا، ثم قال : وجواب الشرطين : إذا وإن مقدّر يدل عليه ما تقدّم إلى آخر كلامه، وإذا كانت إذا شرطا فالعامل فيها إما الجواب، وإما الفعل بعدها على الخلاف الذي في العامل فيها، ولا يجوز أن يكون العامل فيها ما قبلها إلّا على مذهب من يجيز تقديم جواب الشرط عليه، ويفرع على أن الجواب هو العامل في : إذا.