البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٦٣
يجز له أن يعمل، لأن المصدر من شرط عمله عند البصريين أن يكون مظهرا، وإذا كان لا يجوز إعمال لفظ مضمر المصدر فمنويه أحرى أن لا يعمل، وأما قوله : وفيه جواب الشرطين، فليس بصحيح، فإنا قد قررنا أن كل شرط يقتضي جوابا على حذفه، والشيء الواحد لا يكون جوابا لشرطين، وأما قوله على نحو ما أيد سيبويه.
من يفعل الحسنات اللّه يحفظه وهو تحريف على سيبويه، وإنما سيبويه أيده في كتابه :
من يفعل الحسنات اللّه يشكرها والشر بالشر عند اللّه مثلان
وأما قوله : بتقدير فعليه لوصية، أو بتقدير الفاء فقط، كأنه قال : فالوصية للوالدين، فكلام من لم يتصفح كلام سيبويه، فإن سيبويه نص على أن مثل هذا لا يكون إلّا في ضرورة الشعر، فينبغي أن ينزه كتاب اللّه عنه.
قال سيبويه : وسألته، يعنى الخليل، عن قوله : إن تأتني أنا كريم، قال : لا يكون هذا إلّا أن يضطر شاعر من قبل : إن أنا كريم، يكون كلاما مبتدأ، والفاء وإذا لا يكونان إلّا معلقتين بما قبلها، فكرهوا أن يكون هذا جوابا حيث لم يشبه الفاء، وقد قاله الشاعر مضطرا، وأنشد البيت السابق.
من يفعل الحسنات...
وذكر عن الأخفش : أن ذلك على إضمار الفاء، وهو محجوج بنقل سيبويه أن ذلك لا يكون إلّا في اضطرار، وأجاز بعضهم أن تقام مقام المفعول الذي لم يسم فاعله الجارّ والمجرور الذي هو : عليكم، وهو قول لا بأس به على ما نقرره، فنقول : لما أخبر أنه كتب على أحدهم إذا حضره الموت إن ترك خيرا تشوّف السامع لذكر المكتوب ما هو، فتكون الوصية مبتدأ، أو خبرا لمبتدأ على هذا التقدير، ويكون جوابا لسؤال مقدر، كأنه قيل : ما المكتوب على أحدنا إذا حضره الموت وترك خيرا؟ فقيل : الوصية للوالدين والأقربين هي المكتوبة، أو : المكتوب الوصية للوالدين والأقربين، ونظيره : ضرب بسوط يوم الجمعة زيد المضروب أو المضروب زيد، فيكون هذا جواب بالسؤال مقدر، كأنه قال : من المضروب؟
وهذا الوجه أحسن، وأقل تكلفا من الوجه الذي قبله، وهو أن يكون المفعول الذي لم يسم