البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٧٩
قوله : كما، وجهان أحدهما : أن تكون مصدرية، وهو الظاهر، والآخر : أن تكون موصولة، بمعنى. الذي.
عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : ظاهره عموم الذين من قبلنا من الأنبياء وأممهم من آدم إلى زماننا. وقال عليّ : أولهم آدم، فلم يفترضها عليكم
، يعني : أن الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى اللّه أمة من افتراضها عليهم، فلم يفترضها عليكم خاصة، وقيل : الذين من قبلنا هم النصارى.
قال الشعبي وغيره : والمصوم معين وهو رمضان فرض على الذين من قبلنا وهم النصارى، احتاطوا له بزيادة يوم قبله ويوم بعده قرنا بعد قرن حتى بلغوه خمسين يوما، فصعب عليهم في الحر، فنقلوه إلى الفصل الشمسي.
قال النقاش : وفي ذلك حديث عن دغفل، والحسن، والسدي.
وقيل : بل مرض ملك من ملوكهم، فنذر إن برىء أن يزيد فيه عشرة أيام، ثم أخّر سبعة، ثم آخر ثلاثة، ورأوا أن الزيادة فيه حسنة بإزاء الخطأ في نقله.
وقيل : كان النصارى أولا يصومون، فإذا أفطروا فلا يأكلون ولا يشربون ولا يطؤون إذا ناموا، ثم انتبهوا في الليل، وكان ذلك في أول الإسلام، ثم نسخ بسبب عمر، وقيس بن صرمة. قال السدي أيضا، والربيع وأبو العالية.
قيل : وكذا كان صوم اليهود، فيكون المراد : بالذين من قبلنا، اليهود والنصارى، وقيل : الذين من قبلنا : هم اليهود خاصة، فرض علينا كما فرض عليهم، ثم نسخه اللّه بصوم رمضان.
قال الراغب : للصوم فائدتان رياضة الإنسان نفسه عن ما تدعوه إليه من الشهوات، والاقتداء بالملأ الأعلى على قدر الوسع. انتهى. وحكمة التشبيه أن الصوم عبادة شاقة، فإذا ذكر أنه كان مفروضا على من تقدّم من الأمم سهلت هذه العبادة.
تَتَّقُونَ الظاهر : تعلق، لعل بكتب، أي : سبب فرضية الصوم هو رجاء حصول التقوى لكم، فقيل : المعنى تدخلون في زمرة المتقين، لأن الصوم شعارهم، وقيل :
تجعلون بينكم وبين النار وقاية بترك المعاصي، فإن الصوم لإضعاف الشهوة وردعها، كما
قال عليه السلام «فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء».


الصفحة التالية
Icon