البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٨١
التخيير، وصوم رمضان واجب على التعيين، فكان غيره، وأكثر المحققين على أن المراد بالأيام : شهر رمضان، لأن قوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ يحتمل يوما ويومين وأكثر، ثم بينه بقوله : شَهْرُ رَمَضانَ وإذا أمكن حمله على رمضان فلا وجه لحمله على غيره، وإثبات النسخ وأما الخبر فيمكن أن يحمل على نسخ كل صوم وجب في الشرائع المتقدمة، أو يكون ناسخا لصيام وجب لهذه الامة، وأما ما ذكر من التكرار فيحتمل أن يكون لبيان إفطار المسافر والمريض في رمضان في الحكم، بخلاف التخيير في المقيم، فإنه يجب عليهما القضاء، فلما نسخ عن المقيم الصحيح وألزم الصوم، كان من الجائز أن نظن أن حكم الصوم، لما انتقل إلى التخيير عن التضييق، يعم الكل حتى يكون المريض والمسافر فيه بمنزلة المقيم من حيث تغير الحكم في الصوم، لما بين أن حال المريض والمسافر في رخصة الإفطار ووجوب القضاء كحالهما أولا، فهذه فائدة الإعادة، وهذا هو الجواب عن الثالث، وهو قولهم : لأن قوله تعالى : فِدْيَةٌ يدل على التخيير إلى آخره، لأن صوم رمضان كان واجبا مخيرا، ثم صار معينا. وعلى كلا القولين لا بد من النسخ في الآية، أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأن هذه الآية تقتضي أن يكون صوم رمضان واجبا مخيرا، والآية التي بعد تدل على التضييق، فكانت ناسخة لها، والاتصال في التلاوة لا يوجب الاتصال في النزول. انتهى كلامه.
وانتصاب قوله : أَيَّاماً على إضمار فعل يدل عليه ما قبله، وتقديره : صوموا أياما معدودات، وجوزوا أن يكون منصوبا بقوله : الصيام، وهو اختيار الزمخشري، إذ لم يذكره غيره، قال : وانتصاب أياما بالصيام كقولك : نويت الخروج يوم الجمعة - انتهى كلامه - وهو خطأ، لأن معمول المصدر من صلته، وقد فصل بينهما بأجنبي وهو قوله : كَما كُتِبَ فكما كتب ليس لمعمول المصدر، وإنما هو معمول لغيره على أي تقدير قدرته من كونه نعتا لمصدر محذوف، أو في موضع الحال، ولو فرعت على أنه صفة للصيام على تقدير : أن تعريف الصيام جنس، فيوصف بالنكرة، لم يجز أيضا، لأن المصدر إذا وصف قبل ذكر معموله لم يجز إعماله، فإن قدّرت الكاف نعتا لمصدر من الصيام، كما قد قال به بعضهم، وضعّفناه قبل، فيكون التقدير : صوما كما كتب، جاز أن يعمل في : أياما، الصيام، لأنه إذ ذاك العامل في : صوما، هو المصدر، فلا يقع الفصل بينهما بما ليس لمعمول للمصدر، وأجازوا أيضا انتصاب : أياما، على الظرف، والعامل فيه كتب، وأن يكون مفعولا على السعة ثانيا، والعامل فيه كتب، وإلى هذا ذهب الفراء، والحوفي، وكلا القولين خطأ.


الصفحة التالية
Icon