البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٠
الاستطلاع إلى حال إيمان من اتبع الرسول في الحالتين، أخبر تعال أنه لا يضيعه، وأتى بكان المنفية بما الجائي بعدها لام الجحود، لأن ذلك أبلغ من أن لا يأتي بلام الجحود.
فقولك : ما كان زيد ليقوم، أبلغ مما : كان زيد يقوم، لأن في المثال الأول : هو نفي للتهيئة والإرادة للقيام، وفي الثاني : هو نفي للقيام. ونفي التهيئة والإرادة للفعل أبلغ من نفي الفعل، لأن نفي الفعل لا يستلزم نفي إرادته، ونفي التهيئة والصلاح والإرادة للفعل تستلزم نفي الفعل، فلذلك كان النفي مع لام الجحود أبلغ. وهكذا القول فيما ورد من هذا النحو في القرآن وكلام العرب. وهذه الأبلغية إنما هي على تقدير مذهب البصريين، فإنهم زعموا أن خبر كان التي بعدها لام الجحود محذوف، وأن اللام بعدها إن مضمرة ينسبك منها مع الفعل بعدها مصدر، وذلك الحرف متعلق بذلك الحرف المحذوف، وقد صرّح بذلك الخبر في قول بعضهم :
سموت ولم تكن أهلا لتسمو ومذهب الكوفيين : أن اللام هي الناصبة، وليست أن مضمرة بعده، وأن اللام بعدها للتأكيد، وأن نفس الفعل المنصوب بهذه اللام هو خبر كان، فلا فرق بين : ما كان زيد يقوم، وما كان زيد ليقوم، إلا مجرد التأكيد الذي في اللام. والكلام على هذين المذهبين مذكور في علم النحو.
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ : ختم هذه الآية بهذه الجملة ظاهر، وهي جارية مجرى التعليل لما قبلها، أي للطف رأفته وسعة رحمته، نقلكم من شرع إلى شرع أصلح لكم وأنفع في الدين، أو لم يجعل لها مشقة على الذين هداهم، أو لا يضيع إيمان من آمن، وهذا الأخير أظهر. والألف واللام في بالناس يحتمل الجنس، كما قال : اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ «١»، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ «٢»، وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً «٣»، ويحتمل العهد، فيكون المراد بالناس المؤمنين. وقرأ الحرميان وابن عامر وحفص :
لرؤوف، مهموزا على وزن فعول حيث وقع، قال الشاعر :
نطيع رسولنا ونطيع ربا هو الرحمن كان بنا رؤوفا

_
(١) سورة الشورى : ٤٢ : ١٩.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ١٥٦.
(٣) سورة غافر : ٤٠/ ٧.


الصفحة التالية
Icon