البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٣٦
لا يمكن تطرق التغيير إلى أحوالها، فأظهر تعالى الاختلاف في القمر ولم يظهره في الشمس ليعلم أن ذلك بقدرة منه تعالى.
والحج : معطوف على قوله : للناس، قالوا : التقدير ومواقيت للحج، فحذف الثاني اكتفاء بالأوّل، والمعنى : لتعرفوا بها أشهر الحج ومواقيته. ولما كان الحج من أعظم ما يطلب ميقاته وأشهره بالأهلة، أفرد بالذكر، وكأنه تخصيص بعد تعميم، إذ قوله : مواقيت للناس، ليس المعنى مواقيت لذوات الناس، وإنما المعنى : مواقيت لمقاصد الناس المحتاج فيها للتأقيت دينا ودنيا. فجاء قوله : والحج، بعد ذلك تخصيصا بعد تعميم. ففي الحقيقة ليس معطوفا على الناس، بل على المضاف المحذوف الذي ناب الناس منابه في الإعراب. ولما كانت تلك المقاصد يفضي تعدادها إلى الإطناب، اقتصر على قوله :
مواقيت للناس.
وقال القفال : إفراد الحج بالذكر لبيان أن الحج مقصور على الأشهر التي عينها اللّه تعالى لفرض الحج، وأنه لا يجوز نقل الحج على تلك الأشهر لأشهر أخر، إنما كانت العرب تفعل ذلك في النسيء. انتهى كلامه.
وقرأ الجمهور : والحج، بفتح الحاء. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق : والحج بكسرها في جميع القرآن في قوله : حِجُّ الْبَيْتِ «١» فقيل بالفتح المصدر وبالكسر الاسم. وقال سيبويه : الحج، كالردّ والسدّ، والحج، كالذكر، فهما مصدران. والظاهر من قوله : مواقيت للناس والحج، ما ذهب إليه أبو حنيفة، ومالك عن جواز الإحرام بالحج في جميع السنة لعموم الأهلة، خلافا لمن قال : لا يصح إلّا في أشهر الحج. قيل : وفيها دليل على أن من وجب عليها عدتان من رجل واحد اكتفت بمضي عدة واحدة للعدتين، ولا تستأنف لكل واحدة منهما حيضا، ولا شهورا، لعموم قوله : مواقيت للناس. ودليل على أن العدة إذا كان ابتداؤها بالهلال، وكانت بالشهور، وجب استيفاؤها بالأهلة لا بعدد الأيام، ودليل على أن من آلى من امرأته من أول الشهر إلى أن مضى الأربعة الأشهر معتبر في اتباع الطلاق بالأهلة دون اعتبار الثلاثين، وكذلك فعل النبي صلى اللّه عليه وسلم حين آلى من نسائه شهرا، وكذلك الإجارات، والأيمان، والديون، متى كان ابتداؤها بالهلال كان جميعها كذلك، وسقط اعتبار العدد، وبذلك حكم النبي صلى اللّه عليه وسلم في الصوم، وفيها ردّ على أهل الظاهر. ومن قال بقولهم : إن

_
(١) سورة آل عمران : ٣/ ٩٧.


الصفحة التالية
Icon