البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٣٩
يباشر عليها، ولا تعكسوا، والمراد وجوب توطئ النفوس وربط القلوب على أن جميع أفعال اللّه حكمة وصواب من غير اختلاج شبهة، ولا اعتراض شك في ذلك، حتى لا يسأل عنه لما في السؤال من الاتهام بمفارقة الشك لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ «١». انتهى كلامه.
وحكى هذا القول مختصرا ابن عطية، فقال : وقال غير أبي عبيدة : ليس البرّ أن تشذوا في الأسئلة عن الأهلة وغيرها، فتأتون الأمور على غير ما تحب الشرائع، أنه كنى بالبيوت عن النساء، الإيواء اليهنّ كالإيواء إلى البيوت، ومعناه : لا تأتوا النساء من حيث لا يحل من ظهورهنّ، وآتوهنّ من حيث يحل من قبلهنّ. قاله ابن زيد، وحكاه مكي، والمهدوي عن ابن الأنباري.
وقال ابن عطية : كونه في جماع النساء بعيد مغير نمط الكلام، انتهى.
والباء في : بان تأتوا زائدة في خبر ليس، وبأن تأتوا، خبر ليس، ويتقدّر بمصدر، وهو من الإخبار بالمعنى عن المعنى، وبالأعرف عما دونه في التعريف، لأن : أن وصلتها، عندهم بمنزلة الضمير.
وقرأ ابن كثير، وابن عامر، والكسائي، وقالون، وعباس، عن أبي عمرو والعجلي عن حمزة والشموني عن الأعشى، عن أبي بكر : البيوت، بالكسر حيث وقع ذلك لمناسبة الياء، والأصل هو الضم لأنه على وزن فعول، وبه قرأ باقي السبعة و : من، متعلقة : بتأتوا، وهي لابتداء الغاية، والضمير في : أبوابها، عائد على البيوت. وعاد كضمير المؤنث الواحدة، لأن البيوت جمع كثرة، وجمع المؤنث الذي لا يعقل فرق فيه بين قليله وكثيره، فالأفصح في قليله أن يجمع الضمير، والأفصح في كثيره أن يفرد. كهو في ضمير المؤنث الواحدة، ويجوز العكس. وأما جمع المؤنث الذي يعقل فلم تفرق العرب بين قليله وكثيره، والأفصح أن يجمع الضمير. ولذلك جاء في القرآن : هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ «٢» ونحوه، ويجوز أن يعود كما يعود على المؤنث الواحد وهو فصيح.
وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى التأويلات التي في قوله : وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ «٣» سائغة
(١) سورة الأنبياء : ٢١/ ٢٣.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٨٦.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٧٧. [.....]