البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٤١
أعداء اللّه، فأمر به فقال تعالى : وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ والظاهر أن المقاتلة في سبيل اللّه هي الجهاد في الكفار لإظهار دين اللّه وإعلاء كلمته، وأكثر علماء التفسير على أنها أول آية نزلت في الأمر بالقتال، أمر فيها بقتال من قاتل، والكف عن من كف، فهي ناسخة لآيات الموادعة.
وروي عن أبي بكر أن أول آية نزلت في القتال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا «١» قال الراغب : أمر أولا بالرفق والاقتصار على الوعظ والمجادلة الحسنة، ثم أذن له في القتال، ثم أمر بقتال من يأبى الحق بالحرب، وذلك كان أمرا بعد أمر على حسب مقتضى السياسة. انتهى.
وقيل : إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتال المشركين، وقيل : هي محكمة، وفي (ريّ الظمآن) هي منسوخة بقوله : وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ«٢»
وضعف نسخها بقوله :
وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ لانه من باب التخصيص لا من باب النسخ، ونسخ :
وَلا تُقاتِلُوهُمْ بقوله : وَقاتِلُوهُمْ بأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم، وهذا الحكم لم ينسخ، بل هو باق، وبأنه يبعد أن يجمع بين آيات متوالية يكون كل واحدة منها ناسخة للاخرى، وأبعد من ذهب إلى أن قوله : وقاتلوا، ليس أمرا بقتال، وإنما أراد بالمقاتلة المخاصمة والمجادلة والتشدّد في الدين، وجعل ذلك قتالا، لأنه يؤول إلى القتال غالبا، تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه. والآية على هذا محكمة.
هذا القول خلاف الظاهر، والعدول عن الظاهر لغير مانع لا يناسب : في سبيل اللّه، السبيل هو الطريق، واستعير لدين اللّه وشرائعه، فإن المتبع ذلك يصل به إلى بغيته الدينية والدنيوية، فشبه بالطريق الموصل الإنسان إلى ما يقصده، وهذا من استعارة الإجرام للمعاني، ويتعلق : في سبيل اللّه، بقوله : وقاتلوا، وهو ظرف مجازي، لأنه لما وقع القتال بسبب نصرة الدين صار كأنه وقع فيه، وهو على حذف مضاف، التقدير : في نصرة دين اللّه، ويحتمل أن يكون من باب التضمين كأنه قيل : وبالغوا بالقتال في نصرة سبيل اللّه، فضمن :
قاتلوا، معنى المبالغة في القتال.
الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ظاهره : من يناجزكم القتال ابتداء، أو دفعا عن الحق، وقيل :
من له أهلية القتال سوى من جنح للسلم فيخرج من هذا : النسوان، والصبيان، والرهبان -

_
(١) سورة الحج : ٢٢/ ٣٩.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٩٣، وسورة الأنفال : ٨/ ٣٩.


الصفحة التالية
Icon