البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٤٣
في شهر الحرام وفي غيره، وفي (المنتخب) أمر في الآية : الأولى بالجهاد بشرط إقدام الكفار على المقاتلة، وفي هذه الآية زاد في التكليف. فأمر بالجهاد معهم سوآء قاتلوا أم لم يقاتلوا، واستثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام. انتهى. وليس كما قال : إنه زاد في التكليف فأمر بالجهاد سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا، لأن الضمير عائد على : الذين يقاتلونكم، فالوصف باق إذ المعنى : واقتلوا الذين يقاتلونكم حيث ثقفتموهم، فليس أمرا بالجهاد سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا.
قال ابن إسحاق : نزلت هذه الآية في شأن عمرو بن الحضرمي حين قتله وافد بن عبد اللّه التميمي، وذلك في سرية عبد اللّه بن جحش.
وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أي : من المكان الذي أخرجوكم منه، يعني مكة، وهو أمر بالإخراج أمر تمكين، فكأنه وعد من اللّه بفتح مكة، وقد أنجز ما وعد، وقد فعل ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم فتح مكة بمن لم يسلم معهم، و : من حيث، متعلق بقوله :
وأخرجوهم، وقد تصرف في : حيث، بدخول حرف الجر عليها : كمن، والباء، وفي، وبإضافة لدى إليها.
وضمير النصب في : أخرجوكم، عائد على المأمورين بالقتل، والإخراج، وهو في الحقيقة عائد على بعضهم، جعل إخراج بعضهم، وهو أجلهم قدرا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمهاجرون، إخراجا لكلهم.
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ في الفتنة هنا أقوال.
أحدها : الرجوع إلى الكفر أشدّ من أن يقتل المؤمن، قاله مجاهد. وكانوا قد عذبوا نفرا من المؤمنين ليرجعوا إلى الكفر، فعصمهم اللّه. والكفر باللّه يقتضي العذاب دائما، والقتل ليس كذلك، وكان بعض الصحابة قتل في الشهر الحرام، فاستعظم المسلمون ذلك.
الثاني : الشرك، أيّ : شركهم باللّه أشدّ حرما من القتل الذي عيروكم به في شأن ابن الحضرمي.
الثالث : هتك حرمات اللّه منهم أشدّ من القتل الذي أبيح لكم أيها المؤمنون أن توقعوه بهم.