البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٤٧
تفسير أبي مسلم في الفتنة يكون قد غي بأمرين مختلفين : أحدهما : انتفاء القتال في الحرم، والثاني : خلوص الدين للّه تعالى.
قيل وجاء في الأنفال : وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ «١» ولم يجىء هنا : كله، لأن آية الأنفال في الكفار عموما، وهنا في مشركي مكة، فناسب هناك التعميم، ولم يحتج هنا إليه.
قيل : وهذا لا يتوجه إلّا على قول من جعل الضمير في : وقاتلوهم، عائدا على أهل مكة على أحد القولين، وراجع رجل ابن عمر في الخروج في فتنة ابن الزبير مستدلا عليه بقوله : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا «٢» فعارضه بقوله : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً «٣» فقال : ألم يقل : وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ؟ فأجابه ابن عمر بأنا فعلنا ذلك على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إذ كان الإسلام قليلا، وكان الرجل يفتن عن دينه بقتله أو تعذيبه، وكثر الإسلام فلم تكن فتنة، وكان الدين للّه، وأنتم تقاتلون حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير اللّه.
فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ. متعلق الانتهاء محذوف، التقدير : عن الشرك بالدخول في الإسلام، أو عن القتال. وأذعنوا إلى أداء الجزية فيمن يشرع ذلك فيهم، أو : عن الشرك وتعذيب المسلمين وفتنتهم ليرجعوا عن دينهم، وذلك على الاختلاف في الضمير، إذ هو عام في الكفار، أو خاص بكفار مكة.
والعدوان مصدر عدا، بمعنى : اعتدى، وهو نفي عام، أي : لا يؤخذ فرد فرد من أنواعه البتة إلّا على من ظلم، ويراد بالعدوان الذي هو الظلم الجزاء. سماه عدوانا من حيث هو جزاء عدوان، والعقوبة تسمى باسم الذنب، وذلك على المقابلة، كقوله :
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «٤» فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ «٥» وقال الشاعر :
جزينا ذوي العدوان بالأمس فرضهم قصاصا سواء حذوك النعل بالنعل
(١) سورة الأنفال : ٨/ ٣٩.
(٢) سورة الحجرات : ٤٩/ ٩.
(٣) سورة النساء : ٤/ ٩٣.
(٤) سورة الشورى : ٤٢/ ٤٢. [.....]
(٥) سورة آل عمران : ٣/ ٥٤.