البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٤٩
عَلَيَ
«١» أي لا سبيل عليّ، وهو مجاز عن التسليط والتعرض، وهو راجع لمعنى جزاء الظالم الذي شرحنا به العدوان.
ورابط الجزاء بالشرط إما بتقدير حذف أي : إلّا على الظالمين منهم، أو بالاندراج في عموم الظالمين، فكان الربط بالعموم.
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ومقسم، والسدي، والربيع، والضحاك، وغيرهم : نزلت في عمرة القضاء عام الحديبية، وكان المشركون قاتلوهم ذلك العام في الشهر الحرام، وهو ذو القعدة، فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهتهم القتال، وذلك في ذي القعدة : الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ أي : هتكه بهتكه، تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم.
وقال الحسن : سأل الكفار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : هل تقاتل في الشهر الحرام؟ فأخبرهم أنه لا يقاتل فيه، فهموا بالهجوم عليه وقتل من معه حين طمعوا أنه لا يقاتل، فنزلت.
والشهر، مبتدأ وخبره الجار والمجرور بعده، ولا يصح من حيث اللفظ أن يكون خبرا، فلا بد من حذف التقدير : انتهاك حرمة الشهر الحرام، كائن بانتهاك حرمة الشهر الحرام والألف واللام في الشهر، في اللفظ هي للعهد، فالشهر الأول هو ذو القعدة من سنة سبع في عمرة القضاء، والشهر الثاني هو من سنة ست عام الحديبية وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ والالف واللام للعهد في الحرمات، أي : حرمة الشهر وحرمة المحرمين حين صددتم بحرمة البلد، والشهر، والقطان، حين دخلتم. وهذا التفسير على السبب المنقول عن ابن عباس ومن معه، وأما على السبب المنقول عن الحسن فتكون الألف واللام للعموم في النفس والمال والعرض، أي : وكل حرمة يجري فيها القصاص، فيدخل في ذلك تلك الحرمات السابقة وغيرها، وقيل : وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ جملة مقطوعة مما قبلها ليست في أمر الحج والعمرة، بل هو ابتداء أمر كان في أول الإسلام، أي : من انتهك حرمتك نلت منه مثل ما اعتدى عليك به، ثم نسخ ذلك بالقتال.
وقالت طائفة : ما كان من تعدّ في مال أو جرح لم ينسخ، وله أن يتعدى عليه من ذلك بمثل ما تعدى عليه، ويخفي ذلك إذا أمكنه دون الحاكم ولا يأثم بذلك، وبه قال الشافعي، وهي رواية في مذهب مالك.
(١) سورة القصص : ٢٨/ ٢٨.