البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٨٧
الفصيح، وإنما أتى في النهي بصورة النفي إيذانا بأن المنهي عنه يستبعد الوقوع في الحج، حتى كأنه مما لا يوجد، ومما لا يصح الإخبار عنه بأنه لا يوجد.
وقال في (المنتخب) أيضا : إن كان المراد بالرفث الجماع فيكون نهيا عن ما يقتضي فساد الحج، والإجماع منعقد على ذلك، ويكون نفيا للصحة مع وجوده، وإن كان المراد به التحدث مع النساء في أمر الجماع، أو الفحش من الكلام، فيكون نهيا لكمال الفضيلة.
وقال ابن العربي ليس نفيا لوجود الرفث، بل نفي لمشروعيته، فإن الرفث يوجد من بعض الناس فيه، وإخبار اللّه تعالى لا يجوز أن تقع بخلاف مخبره، وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا، لا إلى وجوده محسوسا، كقوله : وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «١» ومعناه مشروعا لا محسوسا، فإنا نجد المطلقات لا يتربصنّ، فعاد النفي إلى الحكم الشرعي لا إلى الوجود الحسي، وهذا كقوله : لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ إذا قلنا إنه وارد في الآدميين، وهو الصحيح، لأن معناه لا يمسه أحد منهم شرعا، فإن وجد المس فعلى خلاف حكم الشرع، وهذه الدقيقة التي فاتت العلماء، فقالوا : إن الخبر يكون بمعنى النهي، وما وجد ذلك قط، ولا يصح أن يوجد، فإنهما يختلفان حقيقة، ويتباينان وصفا انتهى كلام ابن العربي.
وتلخص في هذه الجملة أربعة أقوال :
أحدها : أنها إخبار بنفي أشياء مخصوصة وهي : الجماع، والزنا، والكفر.
الثاني : أنها إخبار بنفي المشروعية لا بنفي الوجود.
الثالث : أنها إخبار صورة، والمراد بها النهي.
الرابع : التفرقة في قراءة ابن كثير، وابن عمر، وبأن الأوّلين في معنى النهي، والثالث خبر، وهذه الجملة في موضع جواب الشرط إن كانت : من، شرطية، وفي موضع الخبر، إن كانت : من، موصولة. وعلى كلا التقديرين لا بد فيها من رابط يربط جملة الجزاء بالشرط، إذا كان الشرط بالاسم، والجملة الخبرية بالمبتدأ الموصول إذا لم يكن إياه في المعنى، ولا رابط هنا ملفوظ به، فوجب أن يكون مقدرا. ويحتمل وجهين.
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٢٨.