البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٨٩
ومعلوم خطر ذلك في غير ذلك اليوم، ولكنه خصه بالذكر تعظيما لحرمته.
وفي قوله : ولا فسوق، إشارة إلى أنه يحدث للحج توبة من المعاصي حتى يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ هذه جملة شرطية، وتقدّم الكلام على إعراب نظيرها في قوله : ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ «١» وخص الخير، وإن كان تعالى عالما بالخير والشر، حثا على فعل الخير، ولأن ما سبق من ذكر فرض الحج، وهو خير، ولأن نستبدل بتلك المنهيات أضدادها، فنستبدل بالرفث الكلام الحسن والفعل الجميل، وبالفسوق الطاعة، وبالجدال الوفاق، ولأن يكثر رجاء وجه اللّه تعالى، ولأن يكون وعدا بالثواب.
وجواب الشرط وهو : يعلمه اللّه، فإما أن يكون عبّر عن المجازاة عن فعل الخير بالعلم، كأنه قيل : يجازكم اللّه به، أو يكون ذكر المجازاة بعد ذكر العلم، أي : يعلمه اللّه فيثيب عليه، وفي قوله : وما تفعلوا، التفات، إذ هو خروج من غيبة إلى خطاب، وحمل على معنى : من، إذ هو خروج من إفراد إلى جمع، وعبر بقوله : تفعلوا، عن ما يصدر عن الإنسان من فعل وقول ونية، إما تغليبا للفعل، وإما إطلاقا على القول، والإعتقاد لفظ الفعل، فإنه يقال : أفعال الجوارح، وأفعال اللسان، وأفعال القلب، والضمير في : يعلمه، عائد على : ما، من قوله : وما تفعلوا، و : من، في موضع نصب، ويتعلق بمحذوف.
وقد خبط بعض المعربين فقال : إن : من خير، متعلق : بتفعلوا، وهو في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف تقديره : وما تفعلوه فعلا من خير يعلمه اللّه، جزم بجواب الشرط، والهاء في : يعلمه اللّه، يعود إلى خير انتهى قوله.
ولو لا أنه مسطر في التفسير لما حكيته، وجهة التخبيط فيه أنه زعم أن : من خير، متعلق : بتفعلوا، ثم قال : وهو في موضع نصب نعتا لمصدر. فإذا كان كذلك كان العامل فيه محذوفا، فيناقض هذا القول كون : من، يتعلق : بتفعلوا، لأن : من، حيث تعلقت بتفعلوا كان العامل غير محذوفا وقوله والهاء تعود إلى خير خطأ فاحش لأن الجملة جواب لجملة شرطية بالاسم، فالهاء عائدة على الاسم، أعني : اسم الشرط، وإذا جعلتها عائدة على الخير عري الجواب عن ضمير يعود على اسم الشرط، وذلك لا يجوز، لو قلت : من

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٠٦.


الصفحة التالية
Icon