البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٩٣
وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير : فضلا من ربكم في مواسم الحج، والأولى جعل هذا تفسيرا، لأنه مخالف لسواد المصحف الذي أجمعت عليه الأمة.
والجناح معناه : الدرك، وهو أعم من الإثم، لأنه فيما يقتضي العقاب، وفيما يقتضي الزجر والعقاب، وعنى بالفضل هنا الأرباح التي تكون سبب التجارة، وكذلك ما تحصل عن الأجر بالكراء في الحج، وقد انعقد الإجماع على جواز التجارة والاكتساب بالكل، والاتجار إذا أتى بالحج على وجهه إلّا ما نقل شاذا عن سعيد بن جبير، وأنه سأله أعرابي أن أكري إبلي، وأنا أريد الحج أفيجزيني؟ قال :«لا، ولا كرامة». وهذا مخالف لظاهر الكتاب والإجماع فلا يعول عليه.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها، أنه لما نهى عن الجدال، والتجارة قد تفضي إلى المنازعة، ناسب أن يتوقف فيها لأن ما أفضى إلى المنهي عنه منهي عنه، أو لأن التجارة كانت محرمة عند أهل الجاهلية وقت الحج، إذ من يشتغل بالعبادة يناسبه أن لا يشغل نفسه بالأكساب الدنيوية، أو لأن المسلمين لما صار كثير من المباحات محرما عليهم في الحج، كانوا بصدد أن تكون التجارة من هذا القبيل عندهم، فأباح اللّه ذلك، وأخبرهم أنه لا درك عليهم فيه في أيام الحج. ويؤيد ذلك قراءة من قرأ : في مواسم الحج.
وحمل أبو مسلم الآية على أنه : فيما بعد الحج، ونظيره : فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ «١» فقاس : الحج، على : الصلاة، وضعف قوله بدخول الفاء في : فإذا قضيتم، وهذا فصل بعد ابتغاء الفضل، فدل على أن ما قبل الإفاضة، وقع في زمان الحج. ولأن محل شبهة الامتناع هو التجارة في زمان الحج، لا بعد الفراغ منه، لأن كل أحد يعلم حلّ التجارة إذ ذاك، فحمله على محل الشبهة أولى، ولأن قياس الحج على الصلاة، قياس فاسد، لاتصال أعمال الصلاة بعضها ببعض، وافتراق أعمال الحج بعضها من بعض، ففي خلالها يبقى الحج على الحكم الأول، حيث لم يكن حاجا، لا يقال : حكم الحج مستحب عليه في تلك الأوقات، بدليل حرمة الطيب واللبس ونحوهما، لأنه قياس في مقابلة النص، فهو ساقط. ونسب للياه فزان.
الفضل هنا هو ما يعمل الإنسان مما يرجو به فضل اللّه ورحمته، من إعانة ضعيف، وإغاثة ملهوف، وإطعام جائع واعترضه القاضي بأن هذه الأشياء واجبة أو مندوب إليها،

_
(١) سورة الجمعة : ٦٣/ ١٠.


الصفحة التالية
Icon