البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٩٥
ووقت الوقوف من زوال شمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر بلا خلاف، وأجمعوا على أن من وقف بالليل فحجه تام، ولو أفاض قبل الغروب، وكان وقف بعد الزوال، فأجمعوا على أن حجه تام، إلّا مالكا فقال : يبطل حجه.
وروي نحوه عن الزبير، وقال مالك : ويحج من قابل وعليه هدي ينحره في حجه القابل.
ومن قال : حجه تام، فقال الحسن : عليه هدي، وقال ابن جريج : بدنة، وقال عطاء، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور : عليه دم.
ولو أفاض قبل الغروب ثم عاد إلى عرفة، فدفع بعد الغروب، فذهب أبو حنيفة، والثوري، وأبو ثور، إلى أنه لا يسقط الدم. وذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وداود الطبري إلى أنه لا شيء عليه. وحديث عروة بن مضرس : وأفاض من عرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه، وقضى تفثه، موافق لظاهر الآية في عدم اشتراط جزء من الليل إلّا ما صدّ عنه الإجماع من أن الوقوف قبل الزوال لا يجزىء، وأن من أفاض نهارا لا شيء عليه.
و : من، قوله : من عرفات، لابتداء الغاية، وهي تتعلق : بأفضتم، وظاهر هذا اللفظ يقتضي عموم عرفات، فمن أي نواحيها أفاض أجزأه، ويقتضي ذلك جواز الوقوف، بأي نواحيها وقف، والجمهور على أن عرنة من عرفات. وحكى الباجي، عن ابن حبيب :
أن عرنة في الحل، وعرنة في الحرم، وقيل : الجدار الغربي من مسجد عرنة لو سقط سقط في بطن عرنة، ومن قال : بطن عرنة من عرفات، فلو وقف بها فروي عن ابن عباس، والقاسم، وسالم أنه : من أفاض من عرنة لا حج له، وذكره ابن المنذر عن الشافعي، وأبو المصعب عن مالك، وروى خالد بن نوار عن مالك أن حجه تام. ويهريق دما، وذكره ابن المنذر عن مالك أيضا.
وروي : عرفة كلها موقف
، وارتفعوا عن بطن عرنة وأكثر الآثار ليس فيها هذا الاستثناء، فهي كظاهر الآية.
وكيفية الإفاضة أن يسيروا سيرا جميلا، ولا يطؤا ضعيفا، ولا يؤذوا ماشيا، إذ
كان صلى اللّه عليه وسلم إذا دفع من عرفات أعنق، وإذا وجد فرجة نص.
والعنق : سير سريع مع رفق، والنص : سير شديد فوق العنق، قاله الأصمعي، والنضر بن شميل. ولو تأخر الإمام من غير عذر دفع الناس.