البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٠٤
قال : أما جوازه في العربية فذكره سيبويه، وأما كون جوازه مقروءا به فلا أحفظه. انتهى كلامه.
فقوله : أما جوازه في العربية فذكره سيبويه، ظاهر كلام ابن عطية أن ذلك جائز مطلقا، ولم يجزه سيبويه إلّا في الشعر، وأجازه الفرّاء في الكلام. وأما قوله : وأما جوازه مقروءا به فلا أحفظه، فكونه لا يحفظه قد حفظه غيره.
قال أبو العباس المهدوي : أفاض الناسي بسعيد بن جبير، وعنه أيضا : الناس بالكسر من غير ياء. انتهى قول أبي العباس المهدوي.
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ أمرهم بالاستغفار في مواطن مظنة القبول، وأماكن الرحمة، وهو طلب الغفران من اللّه باللسان مع التوبة بالقلب، إذ الاستغفار باللسان دون التوبة بالقلب غير نافع، وأمروا بالاستغفار، وإن كان فيهم من لم يذنب، كمن بلغ قبيل الإحرام ولم يقارف ذنبا وأحرم، فيكون الاستغفار من مثل هذا لأجل أنه ربما صدر منه تقصير في أداء الواجبات والاحتراز من المحظورات، وظاهر هذا الأمر أنه ليس طلب غفران من ذنب خاص، بل طلب غفران الذنوب، وقيل : إنه أمر بطلب غفران خاص، والتقدير : واستغفروا اللّه مما كان من مخالفتكم في الوقوف والإفاضة، فإنه غفور لكم، رحيم فيما فرطتم فيه في حلكم وإحرامكم، وفي سفركم ومقامكم. وفي الأمر بالاستغفار عقب الإفاضة، أو معها، دليل على أن ذلك الوقت، وذلك المكان المفاض منه، والمذهوب إليه من أزمان الإجابة وأماكنها، والرحمة والمغفرة.
وقد روي أنه صلى اللّه عليه وسلم خطب عشية عرفة فقال :«أيها الناس! إن اللّه تعالى تطاول عليكم في مقامكم، فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم، إلّا التبعات فيما بينكم، فامضوا على اسم اللّه» فلما كان غداة جمع خطب فقال :«أيها الناس! إن اللّه قد تطاول عليكم، فعوّض التبعات من عنده».
وأخرج أبو عمرو بن عبد البر في (التمهيد) ثلاثة أحاديث تدل على أن اللّه تعالى يباهي بحجاج بيته ملائكته، وأنه يغفر لهم ما سلف من ذنوبهم، وأنه ضمن عنهم التبعات.
و : استغفر، يتعدى لاثنين، الثاني منهما بحرف الجر، وهو من : فعول، استغفرت اللّه من الذنب، وهو الأصل، ويجوز أن تحذف : من، كما قال الشاعر :
أستغفر اللّه ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل


الصفحة التالية
Icon