البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٢٤
ذكره من أحكام الحج وغيره لمن اتقى، لأنه هو المنتفع به دون من سواه، كقوله : ذلك خير للذين يريدون وجهه انتهى كلامه.
واتقى : هنا حاصلة لمن. وهي بلفظ الماضي، فقيل : هو ماضي المعنى أيضا، أي : المغفرة لا تحصل إلا لمن كان متقيا منيبا قبل حجه، نحو : إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «١» وحقيقته أن المصرّ على الذنب لا ينفعه حجه وإن كان قد أدّى الفرض في الظاهر، وقيل : اتقى جميع المحظورات حال اشتغاله بالحج، قاله قتادة، وأبو صالح. وقال ابن عباس : لمن اتقى في الإحرام الرفث والفسوق والجدال، وقال الماتريدي : لمن اتقى قتل الصيد في الإحرام، وقيل : يراد به المستقبل، أي : لمن يتقي اللّه في باقي عمره كما قدمناه.
والظاهر تعلقه بالآخر وهو انتفاء الإثم لقربه منه، ولصحة المعنى أيضا، إذ من لم يكن متقيا لم يرتفع الإثم عنه.
والظاهر أن مفعول اتقى المحذوف هو : اللّه، أي : لمن اتقى اللّه، وكذا جاء مصرحا به في مصحف عبد اللّه.
وَاتَّقُوا اللَّهَ لما ذكر تعالى رفع الإثم، وأن ذلك يكون لمن اتقى اللّه، أمر بالتقوى عموما، ونبه على ما يحمل على اتقاء اللّه بالحشر إليه للمجازات، فيكون ذلك حاملا لهم على اتقاء اللّه، لأن من علم أنه يحاسب في الآخرة على ما اجترح في الدنيا اجتهد في أن يخلص من العذاب، وأن يعظم له الثواب، وإذا كان المأمور بالتقوى موصوفا بها، كان ذلك الأمر أمرا بالدوام، في ذكر الحشر تخويف من المعاصي، وذكر الأمر بالعلم دليل على أنه لا يكفي في اعتقاد الحشر إلّا الجزم الذي لا يجامعه شيء من الظن، وقدم إليه للاعتناء بمن يكون الحشر إليه، ولتواخي الفواصل والمعنى إلى جزائه.
وقد تكملت أحكام الحج المذكورة في هذه السورة من ذكر : وقت الحج إلى آخر فعل، وهو : النفر، وبدئت أولا بالأمر بالتقوى، وختمت به، وتخلل الأمر بها في غضون الآية، وذلك ما يدل على تأكيد مطلوبيتها، ولم لا تكون كذلك وهي اجتناب مناهي اللّه وإمساك مأموراته، وهذا غاية الطاعة للّه تعالى، وبها يتميز الطائع من العاصي؟

_
(١) سورة المائدة : ٥/ ٢٧.


الصفحة التالية