البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٣١
الجملة الشرطية إما مستأنفة، وتم الكلام عند قوله : وهو ألدّ الخصام، وإما معطوفة على صلة من أو صفتها، من قوله : ويعجبك.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ تقدمت علتان، والثانية داخلة تحت الأولى، فأخبر تعالى أنه لا يحب الفساد، واكتفى بذكر الأولى لانطوائها على الثانية وإن فسرت المحبة بالإرادة، وقد جاءت كذلك في مواضع منها : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ «١» فلا بد من التخصيص، أي : لا يحب من أهل الصلاح الفساد، ولا يمكن الحمل على العموم إذ ذاك على مذهبنا لوقوع الفساد، فلو لم يكن مرادا لما كان واقعا. وقد تعلقت المعتزلة بهذه الآية في أن اللّه لا يريد الفساد، فما وقع منه فليس مراد اللّه تعالى، ولا مفعولا له، لأنه لو فعله لكان مريدا له لاستحالة أن يفعل ما لا يريد قالوا : ويدل على أن محبته الفعل هي إرادته له، أنه غير جائز أن يحب كونه ولا يريد أن يكون، بل يكره أن يكون. وفي هذا ما فيه من التناقض. انتهى ما قالوا :
وقيل : المعنى واللّه لا يحب الفساد دينا، وقيل : هو على حذف مضاف أي : أهل الفساد، وقال ابن عباس : المعنى لا يرضى المعاصي، وقيل : عبر بالمحبة عن الأمر أي :
لا يأمر بالفساد.
وقال الراغب : الإفساد إخراج الشيء من حالة محمودة لا لغرض صحيح، وذلك غير موجود في فعل اللّه تعالى، وهذه التأويلات كلها هو على ما ذهب إليه المتكلمون من أن الحب بمعنى الإرادة، قال ابن عطية : والحب له على الإرادة مزية إيثار، فلو قال أحد : إن الفساد المراد تنقصه مزية الإيثار لصح ذلك إذ الحب من اللّه تعالى إنما هو لما حسن من جميع جهاته. انتهى كلامه. وإذا صح هذا اتضح الفرق بين الإرادة والمحبة، وصح أن اللّه يريد الشيء ولا يحبه.
وقال بعضهم : سوّى المعتزلة بين المحبة والإرادة واستدلوا بهذه، وجمهور العلماء على خلاف ذلك، والفرق بين الإرادة والمحبة بيّن، فإن الإنسان يريد بطيء الجرح ولا يحبه وإذا بان في المعقول الفرق بين الإرادة والمحبة بطل ادّعاؤهم التساوي بينهما، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ «٢» انتهى كلامه.

_
(١) سورة النور : ٢٤/ ١٩.
(٢) سورة الزمر : ٣٩/ ٧.


الصفحة التالية
Icon