البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٣٤
ولا تفسيرية، لأنهما مستغنى عنهما وهذه لا يستغنى عنها، فصارت مرتبطة غير مرتبطة، وذلك لا يجوز.
وإذا جعلنا المحذوف من قبيل المفرد. كان فيما قبله ما يدل على حذفه، وتكون جملة واحدة كحاله إذا تقدّم، وأنت لا ترى فرقا بين قولك : زيد نعم الرجل، ونعم الرجل زيد، كما لا تجد فرقا بين : زيد قام أبوه، وبين : قام أبوه زيد، وحسن حذف المخصوص بالذّم هنا كون المهاد وقع فاصلة، وكثيرا ما حذف في القرآن لهذا المعنى نحو قوله :
فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ «١» وفَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ «٢» وجعل ما أعد لهم مهادا على سبيل الهزء بهم، إذ المهاد : هو ما يستريح به الإنسان ويوطأ له للنوم، ومثله قول الشاعر :
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
أي : القائم مقام التحية هو الضرب الوجيع، وكذلك القائم مقام المهاد لهم هو المستقر في النار.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ قيل المراد : بمن، غير معنى، بل هي في كل من باع نفسه للّه تعالى في جهاد، أو صبر على دين، أو كلمة حق عند جائر، أو حمية للّه، أو ذب عن شرعه، أو ما أشبه هذا.
وقيل : هي في معين، فقيل في : الزبير والمقداد بعثهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى مكة ليحطا خبيبا من خشبته، وقيل : في صهيب الرومي خرج مهاجرا فلحقته قريش، فنشل كنانته، وكان جيد الرمي شديد البأس محذوره، وقالوا : لا نترك حتى تدلنا على مالك، فدلهم على موضعه، فرجعوا عنه، وقيل : عذب ليترك دينه فافتدي من ماله وخرج مهاجرا، وقيل : في علي حين خلفه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع، وأمره بمبيته على فراشه ليلة خرج مهاجرا صلى اللّه عليه وسلم.
وقال الحسن : نزلت في المسلم يلقى الكافر فيقول : قل : لا إله إلا اللّه، فلا يقول، فيقول : واللّه لأشرين، فيقاتل حتى يقتل. وقال ابن عباس : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقيل : في صهيب، وأبي ذر، وكان أبو ذر قد أخذه أهله فانقلب، فخرج مهاجرا.
وقيل : في المهاجرين والأنصار، وذكر المفسرون غير هذا، وقصصا طويلا في أخبار هؤلاء المعينين الذين قيل نزلت فيهم الآية.

_
(١) سورة الحج : ٢٢/ ٧٨.
(٢) سورة النحل : ١٦/ ٢٩. [.....]


الصفحة التالية
Icon