البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٠٤
وابن سيرين، والحسن، وابن المسيب، وقتادة، وطاووس، ومجاهد، ومعاوية بن صالح : كل شيء فيه قمار من نرد وشطرنج وغيره فهو ميسر، حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز إلا ما أبيح من الرهان في الخيل، والقرعة في إبراز الحقوق.
وقال مالك : الميسر ميسران :
ميسر اللهو فمنه : النرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار : وهو ما يتخاطر الناس عليه، وقال على الشطرنج : ميسر العجم
، وقال القاسم، كل شيء ألهى عن ذكر اللّه وعن الصلاة فهو ميسر.
قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ. أنزل في الخمر أربع آيات. وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ «١» بمكة ثم هذه الآية، ثم لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى «٢» ثم إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ «٣» قال القفال : ووقع التحريم على هذا الترتيب، لأنه تعالى علم أن القوم كانوا ألفوا شربها والانتفاع بها كثيرا، فجاء التحريم بهذا التدريج، رفقا منه تعالى.
انتهى ملخصا.
وقال الربيع : نزلت هذه الآية بعد تحريم الخمر، واختلف المفسرون : هل تدل هذه الآية على تحريم الخمر والميسر أم لا تدل؟ والظاهر أنها تدل على ذلك، والمعنى : قل في تعاطيهما إثم كبير، أي : حصول إثم كبير، فقد صار تعاطيهما من الكبائر، وقد قال تعالى :
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ «٤» فما كان إثما، أو اشتمل على الإثم، فهو حرام، والإثم هو الذنب، وإذا كان الذنب كثيرا أو كبيرا في ارتكاب شيء لم يجز ارتكابه، وكيف يقدم على ذلك مع التصريح بالخسران إذا كان الإثم أكبر من النفع؟ وقال الحسن : ما فيه الإثم محرم، ولما كان في شربها الإثم سميت إثما في قول الشاعر :
شربت الإثم حتى زل عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقول
ومن قال : لا تدل على التحريم، استدل بقوله : ومنافع للناس، والمحرم لا يكون فيه منفعة، ولأنها لو دلت على التحريم لقنع الصحابة بها، وهم لم يقنعوا حتى نزلت آية المائدة، وآية التحريم في الصلاة، وأجيب بأن المحرم قد يكون فيه منفعة عاجلة في

_
(١) سورة النحل : ١٦/ ٦٧.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٤٣.
(٣) سورة المائدة : ٥/ ٩٠.
(٤) سورة الأعراف : ٧/ ٣٣.


الصفحة التالية