البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٠٩
والآيات : العلامات، والدلائل لعلكم تتفكرون، ترجئة للتفكر تحصل عند تبيين الآيات.
لأنه متى كانت الآية مبينة وواضحة لا لبس فيها، ترتب عليها التفكر والتدبر فيما جاءت له تلك الآية الواضحة من أمر الدنيا وأمر الآخرة.
وفِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ الأحسن أن يكون ظرفا للتفكر ومتعلقا به، ويكون توضيح الآيات لرجاء التفكر في أمر الدنيا والآخرة مطلقا، لا بالنسبة إلى شيء مخصوص من أحوالها، بل ليحصل التفكر فيما يعنّ من أمرهما، وهذا ذكر معناه أولا الزمخشري فقال :
تتفكرون فيما يتعلق بالدارين، فتأخذون بما هو أصلح لكم، وقيل : تتفكرون في أوامر اللّه ونواهيه، وتستدركون طاعته في الدنيا، وثوابه في الآخرة، وقال المفضل بن سلمة :
تتفكرون في أمر النفقة في الدنيا والآخرة، فتمسكون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا، وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى، وقيل : تتفكرون في زوال الدنيا وبقاء الآخرة، فتعملون للباقي منهما. قال معناه ابن عباس والزمخشري، وقيل : تتفكرون في منافع الخمر في الدنيا، ومضارها في الآخرة، فلا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب المستمر، وقال قريبا منه الزمخشري، تتفكرون في الدنيا فتمسكون، وفي الآخرة فتتصدّقون.
وجوّزوا أن يكون، في الدنيا، متعلقا بقوله : يبين لكم. الآيات، لا : بتتفكرون، ويتعلق بلفظ : يبين، أي : يبين اللّه في الدنيا والآخرة. وروي هذا عن الحسن.
ولا بد من تأويل على هذا إن كان التبيين للآيات يقع في الدنيا، فيكون التقدير في أمر الدنيا والآخرة، وإن كان يقع فيهما، فلا يحتاج إلى تأويل، لأن الآيات، وهي :
العلامات يظهرها اللّه تعالى في الدنيا والآخرة.
وجعل بعضهم هذا القول من باب التقديم والتأخير، إذ تقديره عنده : كذلك. يبين اللّه لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون. وقال : ويمكن الحمل على ظاهر الكلام لتعلق : في الدنيا والآخرة، بتتفكرون، ففرض التقديم والتأخير، على ما قاله الحسن، يكون عدولا عن الظاهر لا الدليل، وإنه لا يجوز، وليس هذا من باب التقديم والتأخير، لأن :
لعل، هنا جارية مجرى التعليل، فهي كالمتعلقة : بيبين، وإذا كانت كذلك فهي والظرف من مطلوب : يبين، وتقدّم أحد المطلوبين، وتأخر الآخر، لا يكون ذلك من باب التقديم والتأخير.